لم يعد اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قابلا الاستمرار على حالته الأولى برأي محللين، وذلك بعدما تنصل بنيامين نتنياهو من التزاماته وبدأت الولايات المتحدة تبحث عن مقترحات بديلة.
وكان مفترضا وبحسب الاتفاق -الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية مصرية أميركية- أن تكون قوات الاحتلال قد انسحبت من محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، لكن نتنياهو لا يزال يرفض هذا الأمر ويحاول استعادة أكبر عدد من أسراه الأحياء مع إبقاء قواته في مكانها.
في الأثناء، بدأت إدارة دونالد ترامب تبني مقترحات نتنياهو وتسويقها على أنها مقترحات أميركية كما سبق وفعلت إدارة جو بايدن، بينما لا مؤشرات على إمكانية التوصل لاتفاق قريب.
استخدام ورقة الحرب والمساعدات
وفي حين وصل المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف ووفد إسرائيلي محدود الصلاحيات إلى الدوحة لاستئناف التفاوض، تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن احتمالات العودة للقتال مجددا.
لكن إسرائيل لا تريد العودة للحرب وإنما تريد استخدامها كورقة ضغط سياسي إلى جانب ورقتي إدخال المساعدات وإعادة إعمار قطاع غزة، كما يقول المحلل السياسي سعيد زياد.
وقد بدأت إسرائيل تتحدث عن مقترح أميركي جديد طرحه ويتكوف وينص على هدنة مدتها شهران مقابل إطلاق 10 أسرى إسرائيليين أحياء.
غير أن زياد رأى خلال مشاركته في برنامج “مسار الأحداث”، أن هذا المقترح يؤكد سعي الولايات المتحدة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وليس لوقف الحرب، “رغم أنها لا تقول ذلك صراحة”.
كما أن مقترح ويتكوف الحالي يجرد المقاومة من 40% من الأسرى الأحياء في حين تريد المقاومة الإسلامية (حماس) وقف الحرب بشكل كامل كما هو متفق عليه.
المقاومة لن تقبل
ولا يعتقد زياد أن حماس ستوافق على هذه المقترحات الجزئية التي يحاول نتنياهو شراء الوقت من خلالها، ويرى أن الوسطاء أيضا لا يرغبون في العودة للتفاوض من نقطة الصفر.
على العكس من ذلك يرى تيم كوستنتاين -نائب رئيس تحرير واشنطن تايمز- أن واشنطن وتل أبيب لا تريدان الحرب ولكنهما تريدان استعادة الأسرى، وإنهاء وجود حماس في القطاع.
واتهم كوستنتاين المقاومة بانتهاك القانون الدولي وقال إن استخدام إسرائيل للمساعدات كورقة ضغط أمر مرفوض لكنه برر لها ذلك باعتباره ردا على “استخدام حماس للأسرى بنفس الطريقة”.
لذلك، فقد خرج اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه عن سياقه، وبدأ الطرفان مقترحات بديلة لدرجة أن حماس قدمت ما يمكن اعتباره مقدمة لتنفيذ حل الدولتين، كما يقول كوستنتاين.
وفي حين يقول زياد إن نتنياهو يحاول شراء الوقت حتى يتجاوز مشكلتي إقرار الموازنة العامة وتجنيد الحريديم، يقول كوستنتاين إن المسألة ليست عملية مماطلة، وإن المفاوضات لم تكن سهلة يوما في أي خلاف حول العالم.
وأضاف “عندما ننظر للصورة الواسعة، فإن الشيء المهم الحاصل حاليا هو أنه لا يوجد قتال ولا قتل للأبرياء، وهذه مسألة يجب الحفاظ عليها من خلال إسكات البنادق وإفساح المجال لصوت المنطق حتى يتم التوصل للسلام طويل الأمد”.
وردا على هذا الكلام، قال زياد إن حماس لم ترفض السلام وعرضت منذ اليوم الأول صفقة الكل مقابل الكل ثم عادت وكررت العرض الشهر الماضي، بينما إسرائيل هي التي تقول إنها ستأخذ أسراها ثم تعود للحرب.
ومن هذا المنطلق، فإن المقاومة لن تقبل أبدا بهذه الطروحات الإسرائيلية الأميركية التي يقول زياد إنها “تستهدف تجريد الفلسطينيين من سلاحهم في غزة، وهي جزء من سلامهم المذل الذي تمارسه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تمهيدا لتهجيرهم، وهو أمر لن يقبل به الفلسطينيون وسيحملون السلاح في كل مكان لمنعه”.
ولم يختلف الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين مع زياد، وقال إن نتنياهو لم يتغير ولم يتخل عن إستراتيجية التفاوض من أجل التفاوض وشراء الوقت من خلال التركيز على التفاصيل.
والسبب في ذلك، كما يقول جبارين، هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد الحصول على كل شيء دون دفع أي ثمن سياسي، ومن ثم فقد جعل فريق التفاوض الحالي كله من رجاله المخلصين الذين لا يملكون صلاحية الحديث عن أي شيء سوى تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق.
وبدلا من تنفيذ التزاماته الإنسانية التي تنصل منها في المرحلة الأولى، بدأ نتنياهو تحويل هذه الالتزامات إلى تنازلات تتطلب الحصول على مزيد مقابل قبل الدخول لمفاوضات المرحلة الثانية، حسب جبارين.
تصحيح أخطاء الحرب
ومع ذلك، يعتقد جبارين أن نتنياهو لم يعد يملك هامش وقت كبيرا لأنه يتعرض لضغوط حقيقية من أعضاء الحكومة المتطرفين من جهة ومن ذوي الأسرى الذين يخاطبون ترامب مباشرة، من جهة أخرى.
ويواجه نتنياهو أيضا -حسب المتحدث- مشكلة رغبة الولايات المتحدة في الحصول على صفقة سريعة بعيدا عن إنهاء الحرب التي تحاول إسرائيل العودة لها لتصحيح ما تعتبره أخطاء الجولة السابقة.
وتتمثل هذه الأخطاء -برأي جبارين- في أن الحرب كانت انتقامية وتستهدف السكان والبنى التحتية أكثر من استهدافها لجسم المقاومة، على عكس ما حدث مع حزب الله في لبنان.
لذلك، فقد حجمت إسرائيل حزب الله وألزمته عسكريا وسياسيا خلال 70 يوما بسبب الضربات المحددة والمركزة لجسمه وقيادته بينما بقيت حماس كما هي بعد 15 شهرا من القتال لأنها لم تكن الهدف الوحيد للحرب، كما يقول جبارين.
وقد تحدث مكتب نتنياهو عن قرب التصديق على خطط لعودة القتال في قطاع غزة، في حين تعهد رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد إيال زامير بـ”هزيمة العدو مهما طال الزمن”، وقال إنه سيعمل على تحقيق نصر حاسم في الحرب.