في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، كانت أوروبا تعيش عصر التنوير، حيث بدأ العلم يأخذ مكانة أكبر في تفسير الظواهر الطبيعية بعيدًا عن المعتقدات الدينية التقليدية. أحد أبرز رواد هذا التحول كان عالم الرياضيات والفلك الفرنسي بيير سيمون لابلاس، الذي قدّم رؤية علمية صارمة للكون، قائمة على الحتمية والقوانين الطبيعية فقط. ولكن كيف أثرت أفكاره على الفلسفة والعلم؟

شيطان لابلاس: الحتمية في أوجها

أحد أشهر الأفكار المرتبطة بلابلاس هو مفهوم “شيطان لابلاس”، وهو كائن افتراضي يستطيع، إذا عرف الحالة الحالية لكل الجسيمات في الكون، أن يتنبأ بالمستقبل بدقة مطلقة. هذه الفكرة تعكس اعتقاد لابلاس بأن الكون يعمل وفق قوانين رياضية صارمة، دون تدخل أي قوة غيبية.

في كتابه “النظرية التحليلية للاحتمالات” (1812)، أكّد لابلاس أن العشوائية مجرد وهم ناتج عن جهلنا بالمعلومات الكاملة، وليس لأنها موجودة بالفعل. بكلماته:

يجب أن ننظر إلى الحالة الحالية للكون كنتيجة لماضيه وسبب لمستقبله.”

لابلاس ونابليون: أين الله في معادلاتك؟

من أشهر الروايات التي تُنقل عن لابلاس، أنه عندما قدم كتابه “تفسير نظام العالم” لنابليون بونابرت، سأله الأخير: أين اللهفي كل هذا؟ فأجابه لابلاس بثقة:

يا سيدي، لم أكن بحاجة إلى هذه الفرضية.”

هذه الجملة لخصت فكر لابلاس بالكامل، حيث رأى أن القوانين العلمية تفسر الكون بشكل كامل دون الحاجة إلى تدخل خارجي. هذا الموقف كان ثوريًا في زمنه، حيث كانت فكرة “الإله الذي يوجّه الكون” لا تزال شائعة حتى بين العلماء.

تأثير أفكاره على العلم والفلسفة

رغم أن فيزياء القرن العشرين، خاصة مع ميكانيكا الكم، أظهرت أن الكون ليس حتميًا بالكامل كما تصور لابلاس، فإن أفكاره ظلت أساسية في تطور العلم والفلسفة، فقد:

مهدت لفكرة الكون كآلة تعمل وفق قوانين رياضية، وهي رؤية أثرت في ظهور علوم الحوسبة والذكاء الاصطناعي.

ألهمت الفلاسفة مثل أوغست كونت في تأسيس الوضعية المنطقية، التي ترى أن المعرفة يجب أن تستند فقط إلى الملاحظة والتجربة.

أثرت على العلماء مثل داروين، حيث عززت فكرة أن الطبيعة تعمل بدون تدخل إلهي مباشر، وهو ما انسجم مع نظرية التطور لاحقًا

شاركها.