يعتبر يوم التأسيس حدثاً مفصلياً ليس في التاريخ السعودي فحسب، بل في تاريخ المنطقة والعالم، وذلك نظراً للمكانة والعمق اللتين تتميز بهما المملكة العربية السعودية، وآثار ذلك على مجمل التطورات الإقليمية والدولية.

المملكة، تمثل مرجعية روحية لأكثر من مليار مسلم، هم بأمسِّ الحاجة إلى هذه المرجعية، لإعلاء شأن الدين الحنيف، ومواجهة حملات التشويه والتضليل التي يتعرض لها، جراء ممارسات الأفكار والتيارات التكفيرية المتطرفة، التي أساءت لصورة الإسلام، الذي يتميز بالتسامح والاعتدال والوسطية، وهو أبعد ما يكون عن الغلو والتطرف وتكفير الآخرين.

إنه دين «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، وكذلك هو عقيدة «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء»، وهو فكر «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». هذه القيم للدين الإسلامي الحنيف تكذب أولئك الذين يحاولون تنصيب أنفسهم قيمين على إسلامنا الحنيف، ويوزعون مفاتيح الجنة والنار حسب رؤيتهم، التي تناقض مبادئ وقيم الإسلام السمحاء، ويستغلون الدين فقط لتحقيق مآرب وأهداف أبعد ما تكون عن الدين، بل أكثر من ذلك إنها تسيء إليه، وجعلت من أصحاب هذه التيارات المتطرفة التهديد الأكبر للإسلام وقيمه الإنسانية.

كما أن المملكة بانتمائها العربي تجسد مشروعاً عربياً نستطيع تلمس أهميته وحيويته من خلال الواقع الذي تعيشه معظم بلادنا العربية، التي مزقتها المشاريع القومجية، وزرعت بذور الشك والهواجس بين أفراد العائلة العربية، وأدت إلى حالة الفرقة والضعف في الصف العربي، والترهل والبؤس في الكثير من بلدان العرب، وفقدان الأمل بالمستقبل، بالنسبة للملايين من الشباب، الأمر الذي جعل القاصي والداني يتدخل في شؤون بلادنا العربية، لخدمة أهدافه وأجنداته، سواءً من دول الإقليم أو من خارجه.

وما شهدناه مؤخراً في لبنان وغزة وسورية، والحروب الداخلية التي تمزق دولاً عربية أخرى، ما هي إلا دليل على ضياع كامل تعاني منه بعض دولنا العربية، وما أكثر هذا البعض، نتيجة للعقائد التي سيطرت على هذه الدول منذ عقود، ما بعد الاستعمار، الأمر الذي جعل الكثيرين من شعوبها تنتابهم مشاعر الحنين لأيام المستعمر، أمام المصير الذي آلت إليه أوطانها، بفعل العقائد الكاذبة التي حكمت تلك البلاد.

أمام هذا الواقع المأساوي، ليس من الغرابة أن يتطلع الإنسان العربي في مختلف أوطاننا إلى المملكة العربية السعودية، وما تشهده من نهضة تنموية في مختلف المجالات، جعلت منها منارة ونموذجاً يحتذى في الحكم الرشيد، الذي يعمل بدون كلل أو ملل، من أجل تأمين مستقبل واعد للشباب السعودي، الذي يسير بثبات خلف قيادته الحكيمة، لبناء وطن ترنو إليه الأبصار ويشار إليه بالبنان.

لقد أثبتت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرؤية السديدة لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، بأن التأسيس هو رؤية متجددة، تستند إلى إرث غني، تحاكي الواقع، وعيونها ترنو إلى المستقبل، مما جعل من المملكة ورشة عمل دائمة من التنمية والنماء والتطور، وأفردت لها مكانة متميزة على الساحة الإقليمية والدولية.

إن الرؤية التنموية للمملكة لا تنحصر ضمن حدودها، بل تمتد لعموم المنطقة العربية، انطلاقاً من الانتماء العربي والشعور بالمسؤولية تجاه أبناء العائلة العربية، ولنتذكر ما قاله سمو ولي العهد: «أنا أعتقد أن أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط، هذه حرب السعوديين وهذه حربي التي أخوضها شخصياً. لا أريد أن أفارق الحياة إلا وأنا أرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم، وأعتقد أن هذا الهدف سيتحقق بنسبة 100%». وكذلك قول الأمير محمد بن سلمان: «نؤكد للعالم أجمع أن العرب سوف يسابقون على التقدم والنهضة مرة أخرى، وسوف نثبت ذلك كل يوم».

إن كل ذلك يجعل من هذه الرؤية بمثابة مراجعة للفكر السياسي، الذي حكم عالمنا العربي لعقود، وجر إليها الويلات وقتل الأمل في نفوس الشباب العربي.

إن يوم التأسيس المجيد، والرؤية السديدة لقيادة المملكة، تؤسس اليوم لمشروع تنموي حضاري عربي يعيد الاعتبار لأمتنا، ويحاكي أمجاد الماضي بروح الأصالة والحداثة، يحقق الاستقرار ويصون مصالح الأمة، ويخلق الأمل من جديد للشباب العربي، بعيداً عن الشعارات الجوفاء والخطابات الكاذبة والعنتريات الفارغة.

نحن اليوم أحوج ما نكون إلى مثل هذا الفكر وهذه الرؤية، الأمر الذي يجعل من يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى، إنما واقعاً نعيشه كل يوم، وضرورة من أجل غد أفضل.

السعودية بانتمائها العربي تجسد مشروعاً عربياً نتلمس أهميته من خلال الواقع

النهضة التنموية في المملكة جعلت منها منارة ونموذجاً يحتذى في الحكم الرشيد

الرؤية التنموية للمملكة لا تنحصر ضمن حدودها.. بل تمتد لعموم المنطقة العربية

شاركها.