بالتوازي مع حربه المستمرة على قطاع غزة صعّد الاحتلال والمستوطنون الإسرائيليون حملات اعتداءاتهم في الضفة الغربية عبر المداهمات والاقتحامات، في حين تتركز اعتداءات المستوطنين على منازل ومزارع الفلسطينيين وممتلكاتهم في قرى عدة، من بينها قرية سوسيا في جنوبي الخليل التي يخيم عليها التوتر ويتشبث أهلها بأرضهم رغم الخوف الذي يقض مضاجعهم.

تتذكر سميحة إسماعيل (53 عاما) كيف هاجم المستوطنون في اليوم التالي لاندلاع الحرب في غزة قريتها الواقعة على رأس تل، متوعدين أهلها بالانتقام منهم و”إذلالهم”، وهو ما دفع سكان القرية وعددهم 450 ليلزموا منازلهم معظم الوقت منذ أكثر من 9 أشهر، في حين تستمر اعتداءات المستوطنين الذين ينشرون أغنامهم على التلال القريبة.

وتقول سميحة لوكالة الصحافة الفرنسية “كلما ذهبنا إلى المراعي يأتي المستوطنون ويطردوننا”، مشيرة إلى أنهم قبل الحرب كانوا يحاولون الخروج والتصدي لاعتداءات المستوطنين وطردهم من أراضيهم ومزارعهم “لكن اليوم عندما يأتون إلى أرضنا نخاف أن نتحرك”.

وتؤكد سميحة أن المستوطنين مسلحون ويتمتعون بحماية الجيش، وتقول “هجموا على البيوت، ضربونا”، وتم اعتقال زوجها وابنها، في حين لم تتلق وكالة الصحافة الفرنسية ردا من الجيش أو الشرطة الإسرائيليين والهيئة بالجيش المسؤولة عن تنسيق الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية (كوغات) على استفساراتها.

 

توسع استيطاني

منذ اندلاع الحرب في غزة سجل التوسع الاستيطاني المخالف للقانون الدولي أرقاما قياسية جديدة وانتشارا، في وقت يقدر عدد المستوطنين بنحو 490 ألف مستوطن في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية داخل مستوطنات وسط 3 ملايين فلسطيني.

وكانت الحكومة الإسرائيلية صدّقت في يونيو/حزيران الماضي على مصادرة 12.7 كيلومترا مربعا من أراضي الضفة الغربية المحتلة، في خطوة تعتبر -بحسب تقارير ومنظمات- أكبر مصادرة منذ 3 عقود.

وإضافة إلى مصادرة الأراضي ظهرت منذ بداية العام 25 بؤرة استيطانية عشوائية لا تتضمنها خطط الاستيطان الحالية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وفقا لمنظمة “السلام الآن” المعنية بمراقبة الاستيطان وتوثيقه.

وقال الأهالي إنه منذ ذلك الحين تعرضت القرية لهجمات ليلية عدة حطم خلالها رجال يرتدون الزي العسكري الأبواب ونهبوا الممتلكات، بما في ذلك الدواب والمواشي، كما دخلوا بعض المنازل لترهيب السكان، وهذا جعل الرعب يدب فيهم مع قدوم الليل ويحرم معظمهم من النوم.

منذ اندلاع حربها في غزة سرّعت سلطات الاحتلال التوسع الاستيطاني في الضفة (غيتي)

تهجير تحت السلاح

أما محمد النواجعة (78 عاما) فيقول إنه “أكبر من دولة الاحتلال الإسرائيلي” التي وُلد قبل إعلان قيامها في العام 1948، مؤكدا وهو يعتمر كوفية فلسطينية “كل محاولاتهم هذه لتهجيرنا”.

ويضيف “بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول استولوا على كل هذه التلال، طردونا في العام 1948 وفي 1967، والآن مرة أخرى في 2024، لكن هذه الأرض لنا”.

ويقول محمد النواجعة إنه في خوف دائم على أحفاده ويحاول منعهم من مغادرة المنزل خشية اعتداءات المستوطنين، وسط المضايقات والتهديدات بالطرد، قائلا “يأتي المستوطن ويقول هذا البيت لي”.

ودفع هذا التوتر في القرية الفلسطينية منظمة “أطباء بلا حدود” إلى إنشاء عيادات في خيام لمساعدة الأهالي جراء هذا الواقع الذي يحيط بهم.

وتقول منسقة المنظمة سيمونا أونيدي لوكالة الصحافة الفرنسية “ليس هناك شك في أن هذه هي المشكلة الاكبر هنا، لا يمكننا التحدث عن اضطرابات ما بعد الصدمة هنا، إنها صدمة مستمرة”.

ومثل كثير من أهل القرية لم ينج عبد الرحيم النواجعة (60 عاما) من اعتداءات المستوطنين، قائلا وهو يقلّم الشجرة الوحيدة التي بقيت في محيط منزله “معاناتنا لا تنتهي”، شارحا كيف قتل مستوطن والده قبل سنوات.

“سوف نبقى هنا”

ويروي عبد الرحيم كيف هُدم منزله وممتلكاته “مرات عدة”، وكيف يُطلق الجيش العنان للمستوطنين بقوله “يأتي الجيش ليحرسهم، يفعلون ما يريدون، لا تستطيع فعل أي شيء، الجندي يضع السلاح في رأسك ولا تستطيع فعل أي شيء”.

ورغم المخاوف المستمرة جراء اعتداءات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال ضد أهالي القرية وفي ظل المخاوف من التهجير القسري الذي يطارد سوسيا وأهلها فإن محمد النواجعة يؤكد بحزم “سنبقى في بيوتنا”.

وسبق أن طالبت سلطات الاحتلال المحكمة العليا الإسرائيلية في سنوات سابقة بالسماح لها بهدم قرية سوسيا الفلسطينية في جنوبي الخليل بذريعة عدم وجود بنية تحتية في هذه القرية.

ووفق تقارير عدة، فإن سلطات الاحتلال تقوم بتهجير سكان القرية ونقلهم إلى بلدة يطا ضمن سلسلة إجراءات رسمية تهدف إلى التضييق عليهم، وإفساح المجال للتوسع الاستيطاني، كان من بينها إخطارات بهدم القرية كاملة، وإنذار سكانها بإخلائها.

شاركها.