ووقع اختيار شركة الاتصالات السويدية العريقة “إريكسون” على جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) لتكون شريكًا لها في هذا المجال.
وأعلنت “إريكسون” في وقت سابق من هذا العام عن استمرارها في تمويل برنامجين للاتصالات في كاوست. الأول، يديره البروفيسور محمد سليم العلويني، ويبحث في الاتصالات البصرية في الفضاء الحر (FSO)، والآخر، يديره زميله البروفيسور عاطف شميم، ويتمحور حول تطوير الأسطح الذكية القابلة لإعادة التشكيل (RIS)؛ وقد تم تحديد كلتا التقنيتين من قبل قطاع الصناعة على أنهما ضروريتان لتطوير بنية اتصالات الجيل الخامس والسادس.
قال مشهور السديري، رئيس المحتوى المحلي في شركة إريكسون المملكة العربية السعودية: “أثمرت شراكتنا المستمرة مع كاوست عن تحقيق تقدم كبيرة في تقنيات الاتصالات، والتي كانت حاسمة في دفع حدود ما هو ممكن في مجال شبكات الجيل الخامس والجيل السادس الناشئة، وبينما ننتقل إلى المرحلة التالية، فإن تركيزنا سينصب على إحداث المزيد من التقدم في تقنيات الاتصالات السلكية واللاسلكية”.
الجيل القادم من الاتصالات
وكان في السابق يتم توصيل هذه المحطات عن طريق أسلاك الألياف الضوئية، ولكن أثبت هذا النهج عدم جدواه اقتصادياً بالنسبة لاتصالات الجيل الخامس والسادس.
يُقصد بالاتصالات البصرية في الفضاء الحر (FSO) تلك التي تستخدم الليزر لإرسال إشارة عبر الفضاء الحر (الفضاء الخارجي، الهواء) إلى كاشف بدون أسلاك. ولا تُعد هذه تقنية جديدة؛ إذ يُذكر أن المخترع الأمريكي ألكسندر غراهام بيل، الذي ُينسب إليه تسجيل أول براءة اختراع هاتف، قد سبق واستخدمها. ومع ذلك، يجب التغلب على بعض القيود قبل استخدامها على نطاق واسع في شبكات الجيل الخامس والجيل السادس.
يوضح العلويني “إحدى مشاكل هذه التقنية أنها تقنية غير موثوقة؛ نظرًا لحساسيتها الكبيرة للظروف الجوية كالضباب والأمطار والعواصف الرملية. فعندما تمر الإشارة عبر الهواء، فإنها تضعف بحيث تكون الإشارة التي تصل إلى الكاشف أضعف من تلك المنبعثة من جهاز الإرسال. وعلاوةً على ذلك، فإن معدل توهن الإشارة يزداد مع الإشارات ذات التردد الأعلى، والجيل السادس هو الأعلى ترددًا حتى الآن (100 جيجاهرتز على الأقل).
وتكمن المشكلة الثانية لهذه التقنية في صعوبة الحفاظ على محاذاة الليزر وجهاز الاستقبال. إذ يمكن أن يحدث اختلال في المحاذاة من خلال تغيرات الطقس الحتمية، مثل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة خلال النهار وانخفاضها في الليل، وهو أمر شائع في صحاري المملكة العربية السعودية، مما يتسبب في ظاهرة التمدد الحراري للمعدات.
يقوم العلويني بقياس درجة تأثيرات الطقس على إرسال الإشارات بهدف بناء قاعدة بيانات شاملة للظروف الجوية في المملكة العربية السعودية للإجابة عن أسباب انقطاع الاتصالات، وعدد مرات حدوثه ومدته. ومن خلال هذه المعلومات، يمكن لشركة إريكسون وغيرها من الشركات وضع محطاتها في أماكن استراتيجية مناسبة ونشر أنظمة مساعدة احتياطية في حال تعطلها.
الأسطح الذكية للاتصالات
هذه الخلايا ليست رخيصة، خاصةً عند الأخذ في الاعتبار أن واحدة من هذه الأسطح الذكية تتألف من مئات أو حتى آلاف منها. وتتكون كل خلية عادة من طبقات من المعدن والعازل وأشباه الموصلات، ويتم تصنيعها في غرفة نظيفة، وهي بيئة مختبرية تشمل معدات باهظة الثمن وبنية تحتية خاصة، وتُشَغَّل من قبل موظفين ذوي مهارات عالية ومتخصصة.
طّور البروفيسور شميم أحبار وعمليات طباعة تجعل الغرفة النظيفة غير ضرورية. إذ يمكن طباعة الخلية في مختبر علمي قياسي باستخدام معدات أساسية وعمالة أقل. وبذلك ينخفض سعر الخلية الواحدة من عدة دولارات إلى أقل من دولار واحد.
من المتوقع أن يسهم ذلك إلى حد بعيد في تمكين الوصول لتقنية الجيل السادس، ولهذا السبب جذبت أحبار البروفيسور شميم والأسطح الذكية المطبوعة انتباه رواد شركاء الصناعة مثل إريكسون.
وتكمن إحدى المشاكل الأخرى للأسطح الذكية في عملية تثبيتها على الأسطح المختلفة.
من حيث المبدأ، يمكن وضع هذه الأسطح في أي مكان على المبنى بما في ذلك الجدران الخرسانية والنوافذ الزجاجية. إلا أنها ستعيق أي ضوء يخترق النوافذ. الحل هو سطح ذكي يمكنه التحكم في الإشارات الكهرومغناطيسية دون التأثير في شفافية النافذة.
وفي هذه السياق يشرح شميم “تركيب الأسطح الذكية على النوافذ يعد تحديًا. نحن بحاجة إلى أسطح ذكية يمكنها التحكم في الإشارات الكهرومغناطيسية دون التأثير في الضوء الذي يخترقها؛ ومع ذلك، فإن معظم المعادن غير شفافة.”
ولتحقيق معيار جديد في تقنية الأسطح الذكية، ابتكر فريق شميم حبرًا معدنيًا مكونًا من أسلاك نانوية من الفضة. هذا الحبر حقق رقمًا قياسيًا عالميًا للجمع بين الشفافية البصرية والقدرة التوصيلية.
في المرحلة التالية من مشروع إريكسون، يدرس شميم كيفية توسيع نطاق تقنيات التصنيع التي ابتكرها بأسعار معقولة لتشمل الترددات الأعلى اللازمة للجيل السادس. وقال “المعرفة التي اكتسبناها من الجيل الخامس حول التصميم والاختبار ستسهم إلى حد بعيد في الجيل السادس.”
من خلال اختبار تقنيات الاتصالات البصرية في الفضاء والأسطح الذكية القابلة لإعادة التشكيل الجديدة في المملكة وجمع كمية غير مسبوقة من البيانات حول الظروف الجوية وأداء الاتصالات في البلاد، تساهم كاوست في تعزيز ريادة المملكة العربية السعودية في تطوير وتبني تقنيات اتصالات الجيل السادس، مما يجذب الشركات العالمية للاستثمار في البنية التحتية والعلماء لاختبار أبحاثهم.