شهدت مدينة الأقصر حدثًا تاريخيًا بإزاحة الستار عن تمثالي ألبستر ضخمين للملك أمنحتب الثالث بعد سنوات من العمل الدؤوب في الترميم وإعادة التركيب. وقد تم رفع التمثالين إلى موقعهما الأصلي في الصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك بالبر الغربي، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على هذا الإرث الحضاري الفريد. يمثل هذا الإنجاز جزءًا من مشروع أوسع للحفاظ على معبد أمنحتب الثالث و تمثالي ممنون، وهما من أهم المعالم الأثرية في مصر.

أعلن المجلس الأعلى للآثار عن الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع الترميم الشامل للمعبد، والذي يهدف إلى استعادة رونقه الأصلي وحمايته من عوامل التدهور. وقد تضمن المشروع أعمالًا مكثفة لتدعيم الأساسات، ومعالجة الشقوق والتصدعات، وتنظيف وتثبيت العناصر المعمارية والأثرية.

مشروع الحفاظ على معبد أمنحتب الثالث وتمثالي ميمنون

بدأ مشروع الحفاظ على معبد أمنحتب الثالث و تمثالي ميمنون في عام 2018، وذلك بعد أن تعرض المعبد لأضرار بالغة نتيجة الزلازل والسيول وعوامل التعرية. يهدف المشروع إلى إيقاف أي تدهور إضافي للمعبد، وإعادة تأهيل العناصر المتضررة، وفتح المعبد للجمهور في المستقبل.

أبرز مراحل العمل والإكتشافات

تضمنت أعمال الترميم إزالة الطمي والمياه المالحة التي تراكمت حول المعبد لسنوات طويلة، مما أدى إلى إضعاف الأساسات وتآكل الأحجار. وقد تم خفض منسوب المياه الجوفية بنحو ثلاثة أمتار، مما ساهم في استقرار المعبد وتسهيل أعمال الترميم.

بالإضافة إلى ذلك، تم العثور على 280 تمثالًا وأجزاء تماثيل للإلهة سخمت أثناء أعمال الحفر والتنقيب. هذه التماثيل، التي تعود إلى عهد أمنحتب الثالث، تمثل إضافة قيمة للمجموعة الأثرية الموجودة في المعبد، وهي حاليًا في انتظار عرضها بفناء الأعمدة.

كما تم اكتشاف وإنقاذ تمثالين من تماثيل أبو الهول من الحجر الجيري، واللذين كانا مدفونين تحت الأنقاض. هذه الاكتشافات تؤكد الأهمية التاريخية والثقافية للمعبد، وتشير إلى وجود المزيد من الكنوز الأثرية المدفونة تحت الأرض.

تاريخ معبد أمنحتب الثالث

شُيِّد المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث في النصف الأول من القرن الرابع عشر قبل الميلاد، واستغرق بناؤه 39 عامًا. يُعد المعبد الأكبر بين المعابد الجنائزية في الأقصر، وأكثرها ثراءً من حيث الزخارف والمنحوتات.

ومع ذلك، تعرض المعبد لانهيار جزئي نتيجة زلزال قوي في عام 1200 قبل الميلاد. لاحقًا، استُخدمت بقاياه كمحجر في عصور لاحقة، قبل أن تتأثر بالسيول والتعرية. لم يتبقَّ من معالم المعبد سوى تمثالي ممنون، اللذان يمثلان بوابة المعبد الأصلية.

في القرن التاسع عشر، استولى هواة جمع الآثار على قطع من أطلال المعبد، مما أدى إلى تشتت العديد من العناصر الأثرية. ولكن بفضل الجهود المستمرة من قبل المجلس الأعلى للآثار، يتم الآن استعادة هذه العناصر وإعادتها إلى مواقعها الأصلية.

تعتبر أعمال الترميم الحالية جزءًا من استراتيجية شاملة للحفاظ على المعالم الأثرية في الأقصر، والتي تشمل أيضًا ترميم معبد حتشبسوت ووادي الملوك. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز السياحة الثقافية في المنطقة، وتوفير فرص عمل للشباب المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، يركز المشروع على استخدام أحدث التقنيات في مجال الترميم والحفاظ على الآثار، مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والمسح الليزري. تساعد هذه التقنيات في توثيق حالة المعبد بدقة، وتحديد المناطق التي تحتاج إلى تدخل عاجل.

تتوقع وزارة السياحة والآثار أن يساهم مشروع ترميم معبد أمنحتب الثالث في زيادة عدد السياح الذين يزورون الأقصر، وتعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية عالمية. كما يأمل المسؤولون في أن يساعد المشروع في رفع مستوى الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي.

من المتوقع أن تستمر أعمال الترميم في المعبد لعدة سنوات قادمة، مع التركيز على استعادة العناصر المعمارية المتبقية، وإعادة تركيب التماثيل والمنحوتات، وفتح المعبد للجمهور. وسيتم الإعلان عن الجدول الزمني النهائي للمشروع في أقرب وقت ممكن.

في الوقت الحالي، يراقب المجلس الأعلى للآثار عن كثب حالة المعبد، ويتخذ الإجراءات اللازمة لحمايته من أي تهديدات محتملة. كما يتم التنسيق مع الجهات المعنية لضمان استدامة المشروع على المدى الطويل.

شاركها.