:

تعتبر مشكلة الجرعات الزائدة من المخدرات، وخاصةً تلك المتعلقة بـ الفنتانيل، تهديدًا متزايدًا للصحة العامة في العديد من البلدان. يُعد الفنتانيل مسكنًا أفيونيًا صناعيًا قويًا للغاية، حتى كمية صغيرة منه يمكن أن تكون قاتلة. تسعى شركة ARMR Sciences حاليًا إلى تطوير لقاح ضد الفنتانيل في محاولة للحد من الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة، وبدأت مؤخرًا تجارب سريرية لاختبار هذا اللقاح على البشر.

اللقاح التجريبي ضد الفنتانيل: خطوة نحو الوقاية

أعلنت شركة ARMR Sciences إطلاق تجارب المرحلة الأولى من لقاحها ضد الفنتانيل. تهدف هذه التجارب إلى تقييم سلامة اللقاح وقدرته على تحفيز استجابة مناعية في الجسم. تأتي هذه الخطوة في ظل ارتفاع حاد في عدد الوفيات المرتبطة بالفنتانيل، خاصة في الولايات المتحدة. يُذكر أن مجرد بضع حبات من الرمل من الفنتانيل كافية لإيقاف تنفس الشخص، وفقًا لما ذكرته الشركة.

ما هو الفنتانيل ولماذا يشكل خطرًا؟

الفنتانيل هو مسكن أفيوني اصطناعي أقوى بكثير من المورفين، حيث يُقدر أن قوته تتراوح بين 50 إلى 100 ضعف قوة المورفين. تمت الموافقة عليه من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في عام 1968 للاستخدام كمسكن للألم الوريدي ومخدر. ومع ذلك، سرعان ما تم الاعتراف بإمكانية إساءة استخدامه.

يعود السبب الرئيسي لانتشار الفنتانيل إلى رخص ثمن تصنيعه وإدمانه الشديد. يتم الآن العثور عليه بشكل متزايد في المخدرات غير المشروعة والحبوب المقلدة، حيث يزيد من فعاليتها ويقلل التكاليف. وفقًا لتقارير حديثة، يُعد الفنتانيل المحرك الرئيسي للوفيات بسبب الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة، والسبب الرئيسي للوفاة بين الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 45 عامًا.

تأثير الفنتانيل الخفي

أحد أخطر جوانب الفنتانيل هو أنه عديم الطعم واللون والرائحة، مما يجعله غير مرئي عند مزجه مع مواد أخرى. غالبًا ما يكون متعاطو المخدرات غير مدركين لوجود الفنتانيل في المواد التي يستخدمونها، مما يزيد من خطر الجرعات الزائدة المميتة. هذه الخاصية تجعل من الصعب للغاية على المستخدمين تقدير قوة الجرعة التي يتناولونها.

نالوكسون: العلاج الحالي للجرعات الزائدة

يُعد النالوكسون، المعروف تجاريًا باسم Narcan، دواءً يمكنه عكس آثار الجرعات الزائدة الناجمة عن الفنتانيل والمواد الأفيونية الأخرى بسرعة. ساهم التوزيع الواسع النطاق لهذا الدواء في انخفاض بنسبة 24٪ في الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة في عام 2024، وفقًا للبيانات المتاحة. يعمل النالوكسون عن طريق الارتباط بمستقبلات الأفيون في جميع أنحاء الجسم واستبدال جزيئات الأفيون المرتبطة بها.

ومع ذلك، فإن النالوكسون هو علاج تفاعلي، أي أنه يُعطى بعد حدوث الجرعة الزائدة. يرى كولين غيج، الرئيس التنفيذي لشركة ARMR Sciences، أن اللقاح يمثل نهجًا وقائيًا يمكن أن يغير بشكل جذري طريقة التعامل مع الجرعات الزائدة. يشبه غيج اللقاح بـ “سترة واقية من الرصاص” أو “درع”، مشيرًا إلى أنه لا يتطلب من الشخص حمل العلاج معه في جميع الأوقات.

تاريخ الأبحاث المتعلقة بلقاحات المواد الأفيونية

بدأت الأبحاث الأولية حول لقاحات المواد الأفيونية في السبعينيات، ولكنها توقفت إلى حد كبير بعد فشل المحاولات المبكرة لتطوير لقاح ضد الهيروين. ومع ذلك، أدت الأزمة الحالية للمواد الأفيونية إلى إحياء الاهتمام بهذا المجال، مع دعم كبير من الحكومة الأمريكية. تستند فكرة اللقاح إلى تحفيز الجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة ترتبط بالفنتانيل في مجرى الدم، مما يمنعه من الوصول إلى الدماغ والتسبب في تأثيراته المهدئة والتنفسية.

تعتمد تقنية ARMR Sciences على ربط الفنتانيل ببروتين كبير، مما يسمح للجهاز المناعي بالتعرف عليه وإنتاج أجسام مضادة ضده. هذه الأجسام المضادة لا تمنع تأثير الفنتانيل تمامًا، ولكنها يمكن أن تقلل من كمية الدواء التي تصل إلى الدماغ، مما يقلل من خطر الجرعة الزائدة المميتة. تعتبر هذه التقنية واعدة، ولكنها لا تزال في مراحلها الأولى من التطوير.

التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من الإمكانات الواعدة للقاح الفنتانيل، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها. تشمل هذه التحديات ضمان فعالية اللقاح على المدى الطويل، وتحديد الجرعة المثلى، وتقييم أي آثار جانبية محتملة. بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة التنوع الكبير في تركيبات الفنتانيل غير المشروعة، حيث قد تحتوي على مواد أخرى يمكن أن تؤثر على فعالية اللقاح.

من المتوقع أن تستمر التجارب السريرية للقاح الفنتانيل في الأشهر والسنوات القادمة. ستركز هذه التجارب على تقييم سلامة اللقاح وفعاليته في مجموعة متنوعة من السكان. إذا نجحت التجارب، فقد يصبح اللقاح أداة مهمة في مكافحة أزمة الجرعات الزائدة من الفنتانيل، ويوفر طبقة إضافية من الحماية للأفراد المعرضين للخطر. يجب متابعة نتائج هذه التجارب عن كثب، بالإضافة إلى التطورات في العلاجات الحالية مثل النالوكسون، لتقييم أفضل السبل للحد من الوفيات المرتبطة بـ الفنتانيل والمواد الأفيونية الأخرى.

الخطوة التالية المتوقعة هي نشر نتائج المرحلة الأولى من التجارب السريرية، والتي من المقرر أن تحدث في الربع الأخير من عام 2024. ستحدد هذه النتائج ما إذا كان من الآمن والممكن الانتقال إلى المراحل اللاحقة من التجارب، والتي ستشمل عددًا أكبر من المشاركين وتقييم فعالية اللقاح بشكل أكثر شمولاً. يبقى مستقبل لقاح الفنتانيل غير مؤكد، ولكن الأمل معلق على إمكانية توفير حل وقائي لهذه الأزمة الصحية المتفاقمة.

شاركها.