|

سلطت صحيفة يديعوت أحرونوت الضوء على العزلة السياسية المتصاعدة التي تواجهها إسرائيل بسبب حرب الإبادة والتجويع في قطاع غزة، واستعرضت سلسلة من الحوادث التي تظهر حجم التدهور في صورة إسرائيل حول العالم.

ووصف تقرير للمحلل السياسي للصحيفة إيتمار آيخنر، ما تواجهه إسرائيل بـ”تسونامي دبلوماسي” يشمل الإدانات والمقاطعات والرفض المتزايد للإسرائيليين في الخارج، مستعرضا حوادث بهذا الشأن، تظهر “المشاعر المعادية غير المسبوقة للإسرائيليين في العالم”.

شواهد العزلة

وأوضح آيخنر، في تقريره، أن مجرد ارتداء رموز يهودية، مثل الكيباه (القلنسوة اليهودية)، أصبح سببا كافيا للتعرض للاعتداء أو الطرد من الأماكن العامة في دول أوروبية.

ويورد التقرير حادثة ملاحقة جنديين إسرائيليين في بلجيكا بتهم جرائم حرب، ضمن سلسلة متصاعدة من الحوادث التي صنفها التقرير بـ”المعادية للسامية”، مؤكدا أن 6 حوادث جسيمة وقعت خلال أسبوع واحد فقط، ما يشير إلى تصاعد “العداء العالمي” تجاه إسرائيل بشكل غير مسبوق.

ويذكر التقرير حادثة وقعت في إيطاليا، حينما واجه أب إسرائيلي وابنه موجة من الهتافات في محطة وقود، مثل “فلسطين حرة” و”قتلة”، ليرد الأب قائلا: “شعب إسرائيل حيّ”، لكن دون أن يحظى بأي دعم من الحاضرين.

كما تطرّق التقرير إلى طرد 3 موسيقيين إسرائيليين من مطعم في فيينا بعد أن تبيّن أنهم يتحدثون العبرية، وتعرض سائح إسرائيلي على أحد شواطئ أثينا للهجوم من قبل مهاجر سوري أدى إلى فقدانه جزءًا من أذنه، وفق الصحيفة.

كما أشار التقرير إلى مهاجمة شبان لمجموعة مراهقين إسرائيليين بعد حضورهم حفلا في رودس في اليونان، واندلاع مظاهرة مناهضة لإسرائيل ضد رسو سفينة سياحية إسرائيلية في اليونان أيضا.

ولم تقتصر العزلة على الشارع والرأي العام العالمي، بل امتدت إلى المؤسسات الرسمية والدولية، فقد وافقت المفوضية الأوروبية على توصية بتعليق مشاركة إسرائيل جزئيا في برنامج “هورايزون 2020″، وهو أكبر برنامج بحثي في الاتحاد الأوروبي وتبلغ ميزانيته مليارات اليوروهات.

وتُعتبر إسرائيل شريكا تقليديا في هذا البرنامج منذ التسعينيات، وأورد آيخنر تعليق مصدر دبلوماسي بالقول: “إذا تم استبعاد إسرائيل من البرنامج، فستكون كارثة على العِلم الإسرائيلي وصورتها عالميا”.

كما يورد المحلل السياسي اتهام عدة دول في الاتحاد الأوروبي، من بينها ألمانيا، إسرائيل بعدم الوفاء بالتزاماتها الإنسانية تجاه قطاع غزة، وطالبت المفوضية بإعداد مقترحات ملموسة لردّ جماعي أوروبي على ما يجري.

ويؤكد آيخنر أن إسرائيل نجحت وقت سابق في إفشال مقترح لتجميد اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك كان قبل تفجّر قضية التجويع في غزة، وهي المسألة التي باتت تُعتبر نقطة الضعف الأهم في الرواية الإسرائيلية، بحسب آيخنر.

ويتحدث أيضا عن القلق المتزايد في إسرائيل من محاولات استبعادها من فعاليات دولية كبرى، مثل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ومن مسابقات فنية وثقافية على غرار “يوروفيجن”. كما أشار التقرير إلى تصاعد المقاطعة الأكاديمية والثقافية، وانخفاض حجم الاستثمارات في إسرائيل دون أن تلاحظ السلطات ذلك.

أما في الولايات المتحدة، فيرى التقرير أن الأزمة لم تعد تقتصر على انقسام داخل الحزب الديمقراطي الذي يقول إن إسرائيل فقدته، بل بدأت تشمل أصواتا جمهورية أيضا تنتقد سياسة التجويع التي تتبعها إسرائيل في غزة.

وأصبح واضحًا، حسب التقرير، أن إسرائيل فقدت دعم جزء كبير من الديمقراطيين، بل وحتى شرائح من الجالية اليهودية الأميركية.

وتبرز في هذا السياق تصريحات من سياسيين مثل زهران ممداني مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي لمنصب عمدة نيويورك الذي يصفه آيخنر بأنه “يكره إسرائيل”، ويرى أن انتخابه لخوض انتخابات عمدة المدينة يعبّر عن “كراهية لنتنياهو” حتى بين اليهود الأميركيين أنفسهم.

الاعتراف بفلسطين

ولا ينسى التقرير الإعلان الفرنسي لإيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومحاولاته لحشد دعم دولي لها، بما في ذلك من بريطانيا وكندا.

ويتحدث عن التقارير التي تفيد بأن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يستعد لطرح خطة لإنهاء الحرب في غزة، تشمل بندًا صريحًا للاعتراف بفلسطين.

كما يلفت الانتباه إلى عزم دول أوروبية أخرى للاعتراف بفلسطين تشمل أستراليا ونيوزيلندا والبرتغال ومالطا. ويرى التقرير أن هذا التحول “يعكس وزن الجاليات المسلمة في أوروبا من جهة، ومن جهة أخرى يعبر عن يأس الأوروبيين من غياب الأفق السياسي في الصراع”.

ويعبر المحلل السياسي عن إحباطه من الأزمة الدبلوماسية التي نشأت هذا الأسبوع مع هولندا، بعد أن نشر رئيس وزرائها تغريدة تدعم فرض عقوبات على إسرائيل، رغم وعده السابق للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بعدم تأييد أي عقوبات.

وفي ختام التقرير، خلص المحلل السياسي إلى أن إسرائيل أصبحت بحاجة ماسة إلى وقف لإطلاق النار، ليس فقط لأسباب عسكرية أو لتحرير الأسرى، بل لكسر هذه العزلة السياسية المتفاقمة، ووقف الضغوط المتزايدة على الجاليات اليهودية حول العالم.

ويختم التقرير بالتأكيد على أن استمرار الوضع الراهن لم يعد خيارًا ممكنًا. ويقول إن إسرائيل “أكلت السمك الفاسد وطُردت من المدينة”، في إشارة إلى أنها فشلت في فرض روايتها، وخسرت الدعم الدولي، ودُفعت نحو زاوية لا تملك فيها ترف تجاهل التغيير، وفق قوله.

شاركها.