ناثان ثوفت ليس من المتشائمين بشأن السوق. فلا يزال فريقه في شركة “مانولايف لإدارة الاستثمارات” (Manulife Investment Management)، التي تُشرف على 160 مليار دولار، يُحافظ على زيادة متواضعة في وزن الأسهم. ولكن مع قفزة الأسواق الأميركية من مستوى قياسي إلى آخر، دأب ثوفت على تقليص استثماراته في الأسهم الرابحة، وشراء السندات، وإضافة طبقة من الحماية من خلال خيارات أطول أجلًا.

قال ثوفت، الذي يشغل منصب كبير مسؤولي الاستثمار في حلول الأصول المتعددة في الشركة التي تتخذ من بوسطن مقراً لها: “أصبحت الأسواق مُفرطة في الرضا عن الذات”. على مدار الأشهر التسعة الماضية، قلّل فريقه بشكل مطرد من تعرضه للائتمان ذي العائد المرتفع، وتحول نحو الأسهم غير الأميركية، وأعاد توزيع رأس المال في استثمارات أكثر أماناً.

“لقد شهدنا انتعاشاً هائلاً منذ أدنى مستوياته في أبريل بسبب الرسوم الجمركية، مع تراجعات محدودة. التقييمات مُفرطة في العديد من الأسواق. لقد انخفضت مؤشرات المخاطر إلى أدنى مستوياتها لهذا العام”، بحسب ثوفت.

الفجوة بين التفاؤل والحذر

إنه حساب يواجهه العديد من المستثمرين المحترفين: ما هو مقدار التحوط في ارتفاع الأسهم والائتمان الذي تحدى لسنوات توقعات التباطؤ. حافظت حماسة الذكاء الاصطناعي، وأرباح الشركات القوية، والاقتصاد الذي استوعب أعلى أسعار فائدة في عقدين، على حيوية هذا الانتعاش. لكن ضغوط التضخم لم تنحسر تماماً، ولم يُعلن الاحتياطي الفيدرالي انتصاره بعد.

في ظل هذه الفجوة بين التفاؤل والحذر، ظهرت مجموعة من الإشارات الدفاعية في الأسابيع الأخيرة – ميل نحو مزيد من الحماية من الانخفاض في خيارات الأسهم، وتدفقات جديدة إلى النقد ومنتجات الذهب، وتراجع في صناديق المؤشرات المتداولة طويلة الأجل ذات الرافعة المالية. يزداد عدد المتشائمين وسط المستثمرين في قطاع التجزئة وفقاً لأحدث استطلاع أجرته الجمعية الأميركية للمستثمرين الأفراد، بينما قال 91% من المشاركين في استطلاع “بنك أوف أميركا” إن الأسهم الأميركية مبالغ في قيمتها.

بشكل عام، يشير كل ذلك إلى تفاؤل متحوط: مستثمرون مستعدون للسعي وراء العوائد لكنهم غير مستعدين للتخلي عن الحماية. حتى في ظل هذا الهدوء غير المتوقع، تشك “وول ستريت” في أن أسس الانتعاش قد تكون عرضةً للاختبار.

الرهان على خفض أسعار الفائدة 

مرة أخرى، كافأ هذا الأسبوع المتفائلين. ظلت الرهانات على خفض أسعار الفائدة في سبتمبر مرتفعةً، وواصل مؤشر “إس أند بي 500” ارتفاعه الصيفي، وظلت عمليات جمع الأموال من الشركات نشطة. وارتفعت عملة بيتكوين إلى مستويات قياسية. وجذبت صناديق الأسهم العالمية 26 مليار دولار، بقيادة الشركات الأميركية الكبرى، بينما أضافت صناديق السندات 26 مليار دولار. وانخفض مؤشر “MOVE” لتقلبات السندات إلى أدنى مستوى له منذ عام 2022، وحوم مؤشر “VIX” بالقرب من أدنى مستوياته منذ بداية العام.

اقرأ التفاصيل: بيسنت يحث الفيدرالي على خفض الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر

يقوم غاريت ميلسون، استراتيجي المحافظ الاستثمارية في “نانيكسيس إنفستمنت مناجرز سولوشنز” (Natixis Investment Managers Solutions)، بتعديل المخصصات بمعدل ضعفي المعتاد تقريباً – وفي بعض الأسابيع، كل بضعة أيام – لضبط التعرضات بدقة مع ارتفاع الأسواق. ولا تعكس هذه الوتيرة السريعة تقلبات السياسات من إدارة دونالد ترمب فحسب، بل تعكس أيضاً سرعة التقلبات في سرديات السوق.

قال ميلسون إن “الاتجاه السائد هو أن تستمر الأمور في التهدئة، وفي النهاية يصبح الإجماع متفائلًا بعض الشيء”. خفّض فريقه مخاطر الائتمان، وعزز استثماراته في سندات الخزانة، وأبقى على زيادة طفيفة في استثمارات التكنولوجيا، التي يرى أنها لا تزال تستفيد من طفرة الذكاء الاصطناعي. ويرى مجالًا لتراجع يتراوح بين 5% و6% مع ازدياد حماس المستثمرين، لكنه يشكك في احتمال حدوث تباطؤ اقتصادي كبير وشيك. وقال إن سندات الخزانة تظل وسيلة تحوّط أكثر موثوقية من الذهب أو السلع الأساسية، والتي قد تتلاشى في حالة تباطؤ اقتصادي طويل الأمد.

ضعف ثقة المستهلك الأميركي

تم اختبار هذا التوازن بين السعي وراء المكاسب والحذر من الانعكاسات مراراً وتكراراً خلال الأسبوع الماضي. احتفل المتفائلون يوم الأربعاء بعد أن أظهر تقريرٌ تضخماً استهلاكياً معتدلًا، لكنهم قلّصوا رهاناتهم على تخفيضات وشيكة لأسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي عندما قفزت أسعار الجملة في اليوم التالي. ارتفعت العوائد وانخفضت الأسهم مجدداً يوم الجمعة، حيث طمست البيانات التي أظهرت ضعف ثقة المستهلك قفزةً كبيرة في مبيعات المتاجر.

اقرأ التفاصيل: الأسهم الأميركية تتراجع من مستويات قياسية وسط بيانات اقتصادية متباينة

أبقت هذه التقلبات على تيار خفي من الحذر قائماً، وغذّت النقاش حول مقدار الحماية التي يجب الحفاظ عليها. ارتفع مقياس التكلفة النسبية للحماية من الانهيار، وهو مقياس في مؤشر “إس أند بي 500″، بشكل ملحوظ. في الوقت نفسه، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة ذات الرافعة المالية والتوجهات الصعودية – وهي أداةٌ مفضلةٌ للمضاربين – تدفقات خارجية بلغت نحو 9 مليارات دولار خلال الشهر الماضي، وفقاً لبيانات جمعتها بلومبرغ.

اقرأ أيضاً: تباطؤ حاد في التوظيف الأميركي مع تزايد إشارات ضعف الاقتصاد

أدى ارتفاع أسعار الأسهم خلال الصيف إلى ارتفاع تقييمات مؤشر “إس أند بي” إلى ما يزيد عن 22 ضعفاً للأرباح المتوقعة، وهو ما يفوق بكثير متوسط 10 سنوات البالغ حوالي 18 ضعفاً. ومع ذلك، فإن أي دافع للتحوط يجب أن يُعزى إلى سهولة تعامل الأسواق مع الصدمات في السنوات الأخيرة. حتى الآن، استوعب المستثمرون سنوات من ارتفاع أسعار الفائدة، والخلافات التجارية، والسياسات المتقلبة بسهولة مدهشة. بالنسبة لمخصصي الأسهم مثل ثوفت وميلسون، يكمن التحدي في تحديد مقدار احترام هذه المرونة، ومقدار التأمين ضد لحظة انهيارها.

لا يستجيب الجميع بمزيد من الصفقات أو المزيد من التحوطات. لم تُجر جولي بيل، مديرة المحفظة وكبيرة استراتيجيي الاستثمار في “كاين أندرسون رودنيك”، أي تغيير على محفظتها الاستثمارية المكونة من 28 سهماً هذا الربع. فهي تتجنب المشتقات وتعتمد بدلاً من ذلك على ما تسميه “الفائزين ذوي الدماء الزرقاء” لتجاوز نوبات التقلب.

قالت بيل إن المستثمرين لا يطيقون أي شيء أقل يقيناً، مما يجعل السوق عرضةً لتراجعات حادة عند تغير المعنويات. وأضافت، واصفةً سوقاً تهيمن عليه تجارة الذكاء الاصطناعي، حيث يزدحم المستثمرون في سوق رابحةٍ بلا شك: “الخوف من تفويت الفرص ليس كالنشوة. هذا يعني أنه عند مواجهة فترة حرجة، يهرع الجميع إلى المخارج بسرعة”.

شاركها.