خلال معظم فترات الشهر الجاري، اندفع متداولو وول ستريت إلى شراء الأسهم والسندات، إذ يراهنون على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بات مستعداً أخيراً لبدء خفض أسعار الفائدة مجدداً. كل ما كانوا ينتظرونه هو الضوء الأخضر من جيروم باول لاستمرار موجة الصعود.
واليوم، حصلوا على ما يريدون، عندما أطلق رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي العنان لأكبر موجة صعود واسعة النطاق عبر مختلف الأسواق منذ أبريل الماضي، في نبرة أكثر ميلاً للتيسير مما كان متوقعاً خلال خطاب مرتقب بشدة.
تصريحات جيروم باول
ارتفعت السندات الأميركية، ما دفع عوائد السندات لأجل عامين إلى التراجع بنحو 12 نقطة أساس، وبدأ متداولو العقود المستقبلية في توقع خفض مؤكد تقريباً لأسعار لفائدة سبتمبر المقبل بعد أن قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إن “توازن المخاطر المتغير قد يستدعي تعديل موقفنا من السياسة النقدية”.
اقرأ أيضاً: رئيس الاحتياطي الفيدرالي يترك الباب مفتوحاً أمام خفض الفائدة في سبتمبر
صعد مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” بنسبة 1.7% بعد هبوط دام 5 أيام، فيما قفز مؤشر “راسل 2000” بنسبة 4% مدفوعاً بأسهم حساسة لأسعار الفائدة والاقتصاد. في المقابل، تراجع الدولار الأميركي، وحققت الأصول عالية المخاطر مثل بتكوين مكاسب مع ترقب أن يستخدم البنك المركزي أدوات السياسة النقدية لدفع النمو. وارتفع سعر الذهب بنسبة 1%.
قال مات مالي، كبير الخبراء الاستراتيجيين في السوق في “ميلر تاباك+كو” (Miller Tabak + Co): “هذا تحول مهم بالنسبة لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول. السؤال الآن هو ما إذا كانت المخاوف بشأن تباطؤ النمو ستؤدي إلى تراجع الأرباح، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لن يتسبب في تحديات كبيرة للمستثمرين”.
كان خطاب باول في ندوة “جاكسون هول” السنوية بولاية وايومنغ محل ترقب شديد من الأسواق المالية، التي بدأت في وقت مبكر من هذا الشهر بتوقع شبه مؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع الشهر المقبل، وهو أول خفض منذ ديسمبر الماضي. مع تباطؤ سوق العمل، راهن بعض متداولي الخيارات حتى على خفض نصف نقطة، وهو إجراء عادة ما يُخصص للحالات الطارئة.
صعود الأسهم
هذا الترقب عزز شهية المخاطرة عبر الأسواق، دافعاً الأسهم إلى مستويات قياسية جديدة حتى نهاية الأسبوع الماضي، رغم القلق من أن حرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية تبطئ الاقتصاد، والمخاوف من أن ارتفاع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى التي قادت المكاسب قد بالغ في الصعود. بحلول 14 أبريل الماضي، كان مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” قد صعد 30% من أدنى مستوياته في أوائل أبريل الماضي، حينما أحدثت الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب اضطراباً مؤقتاً في الأسواق، ويعود ذلك بشكل كبير إلى الارتفاع القوي لشركات مثل “إنفيديا” المستفيدة من طفرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي.
أبرز الاستنتاجات من كلمة رئيس الاحتياطي الفيدرالي في جاكسون هول.. التفاصيل هنا
لكن في الأيام الأخيرة، بدأت الشكوك تتسلل بشأن الخطوة المقبلة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فيما حذر بعض مسؤوليه من أن خفض سبتمبر ليس مضموناً. وتوقفت موجة الصعود بعد أن أظهرت بيانات حكومية أن تضخم أسعار الجملة في يوليو قفز بأكبر وتيرة في 3 سنوات، ما أعاد إشعال المخاوف من الركود التضخمي الذي قد يحد من قدرة البنك المركزي على خفض الفائدة. هذا التطور دفع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” إلى الهبوط لخمسة أيام متتالية حتى أمس، كما رفع عوائد السندات الأميركية.
لكن الوضع انعكس بعد أن لمح باول إلى أن الفيدرالي مستعد لتغيير مساره، مكرراً ما حدث قبل عام في “جاكسون هول”، عندما أشار إلى أن البنك المركزي يستعد لخفض الفائدة من مستوياتها الأعلى منذ أكثر من عقدين.
خفض أسعار الفائدة
قال كيفن غوردون، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الاستثمار في شركة “تشارلز شواب أند كو” (Charles Schwab & Co): “الخطاب يساعد على تأكيد -ليس بشكل رسمي- خفض أسعار الفائدة في سبتمبر المقبل، لكن ليس بالضرورة بدء دورة كاملة من التخفيضات. كما أن استجابة السوق الإيجابية تعكس الارتياح والشعور بعدم تعارض توقعاتها بالكامل مع رؤية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي”.
اتبع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نهج الترقب خلال 2025 بينما زادت سياسات ترمب من حالة عدم اليقين بشأن آفاق الاقتصاد المستقبلية، ما جعل باول يوازن بين مخاطر إعادة تسارع التضخم في الولايات المتحدة من جهة، وتباطؤ النمو من جهة أخرى.
اقرأ المزيد: محضر الاحتياطي الفيدرالي: مخاطر التضخم تفوق مخاوف سوق العمل
رغم أن بيانات التوظيف بداية الشهر أظهرت ضعف سوق العمل مقارنة بالتوقعات، إلا أن مؤشرات أخرى أشارت إلى بعض مظاهر القوة الاقتصادية، فيما واصلت أرباح الشركات تعزيز تفاؤل سوق الأسهم.
كما يواجه البنك المركزي ضغوطاً غير مسبوقة من ترمب، الذي تخلى عن التقاليد الراسخة في احترام استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، عبر مهاجمة باول لعدم خفض الفائدة وتهديده بإقالة محافظة في البنك بتهم تتعلق بالاحتيال العقاري. في مواجهة ذلك، بدا باول حريصاً على طمأنة الأسواق بأن السياسة النقدية لن تخضع للاعتبارات السياسية.
بيانات الاقتصاد الأميركي
وعلى مدى السنوات الماضية، أخطأت الأسواق مراراً منذ الجائحة حين توقعت مبكراً تحولاً في سياسة الاحتياطي الفيدرالي، فيما شدد باول باستمرار على أن البنك يعتمد نهجاً قائماً على البيانات، ما يجعل من الصعب التنبؤ بمدى شدة التخفيضات المحتملة خلال الأشهر المقبلة.
اقرأ أيضاً: مؤشرات وول ستريت تتراجع وسط بيانات أضعفت توقعات خفض الفائدة
قال دان كارتر، مدير محافظ الاستثمار في “فورت واشنطن إنفستمنت أدفايزرز” (Washington Investment Advisors): “السوق ستحب هذا التغير في لهجة الخطاب، لكن أعتقد أنه ينبغي أن نكون حذرين من المبالغة في استباق الأحداث. ما زال هناك الكثير من البيانات ستصدر قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة المقبل”.