أوضح وزير المالية السعودي محمد الجدعان سردية الاستدانة في بلاده، مشيراً إلى أن المملكة تقترض لتمويل المشروعات التنموية الاستراتيجية والتي تزيد الناتج وتوفر الفرص. وأضاف أن السعودية تركز على الاستثمار في السياحة والصناعة والتكنولوجيا والخدمات اللوجيستية.
خلال مشاركته بالجلسة النقاشية المصغرة التي يستضيفها “المجلس الأطلسي” على هامش الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين لعام 2025 في واشنطن، بعنوان: استكشاف التوقعات الاقتصادية للسعودية والعالم. قال الجدعان، وهو أيضاً رئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي إن السعودية تقترض لتمويل الإنفاق على “البرامج الاستراتيجية المنتجة التي تستحدث فرص الاستثمار والعمل”. وأضاف “إذا تمكنت من استحداث نمو غير نفطي بنسبة 4.8% وبتكلفة اقتراض أقل من ذلك، فأنت على الطريق الصحيح، وهذه السياسة المركزة التي تقضي بالاقتراض لتمويل أصول منتجة تمنح عائداً للجيل الحالي والأجيال المقبلة”.
أوضح وزير المالية أن المملكة لديها نسبة ديون منخفضة جداً نسبةً للناتج المحلي الإجمالي بين دول العشرين، وهو ما أرجعه إلى سياستها في التعامل مع الاقتراض، مستبعداً أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي لحدود 50%.
بوصلة إنفاق السعودية على المشاريع
الجدعان استند في كلمته إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شدد على أن المصلحة العامة هي البوصلة العليا التي توجه مسار تنفيذ برامج المملكة الاقتصادية، وأن الحكومة مستعدة لإجراء “أي تعديل جذري” أو حتى “إلغاء كامل” لأي برنامج أو مستهدف إذا ثبت أنه لا يخدم هذا الهدف.
محمد بن سلمان: الاقتصاد السعودي يتقدم ولا تردد في تعديل أي برنامج لا يخدم المصلحة العامة
الجدعان قال: رسالة ولي العهد كانت واضحة.. يجب أن نتجنب تماماً أي مكابرة تجاه أي مشروع نقوم به. فإذا كان غير مجدٍ الاستمرار به حالياً، فلن نتردد في تغييره فعلياً أو إيقافه أو تمديده”.
وأكد الجدعان أن السعودية ليس لديها أي تمسك حيال الإنفاق على المشاريع، مشيراً إلى أنه على عكس ما يجري الحديث عنه بتعديل الإنفاق على المشاريع الكبرى، “يجري الإنفاق بسخاء على السياحة والصناعة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي”.
مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا اعتبرت أن إعادة تقييم السعودية لخطط الإنفاق على المشاريع بمثابة “ممارسة ضرورية للمالية العامة، وأيضاً لزيادة ثقة أسواق المال بالبلد. ومن الواضح جداً أن الأسواق تكافئ الدول المنضبطة مالياً”.
قال ولي العهد في كلمة ألقاها خلال افتتاح أعمال مجلس الشورى، الشهر الماضي، إن الحكومة تواصل “تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام لضمان توجيه الموارد إلى الأولويات الوطنية”.
غورغييفا قالت بمقابلة مع “الشرق” إن “الهدف من تحسين كفاءة الإنفاق هو زيادة الرشاقة والقدرة على التكيف من خلال وضع خطط، ثم مراجعتها وإعادة تقييمها.. كما فعلت السعودية مؤخراً لضمان المحافظة على قوة مركزها المالي”.
الجدعان أوضح أن الحكومة سرعت وتيرة بعض المشاريع “لمواكبة نمو قطاع السياحة”. كما استشهد بقطاع الخدمات اللوجستية، قائلا: “كنا بحاجة إلى إنفاق المزيد وتسريع وتيرة العمل في هذا المجال، لأنه سيمكن قطاع السياحة، وسيمكن القطاع الصناعي والتصنيعي”.
وكشف أيضاً أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أجرى مراجعة شاملة لمحفظته الاستثمارية، ومن المنتظر أن يعلن استراتيجيته الجديدة قريباً.
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي للمرة الثانية على التوالي خلال ثلاثة أشهر، بدفع من التوسع في الأنشطة غير النفطية، متوقعا أن يسجل أكبر اقتصاد عربي نمواً بنسبة 4% عامي 2025 و2026.
الجدعان أوضح أن السعودية نجحت خلال 2024 في تحويل العجز في ميزان المدفوعات والخدمات إلى فائض، وكانت تستهدف السعودية استقبال 100 مليون سائح في 2030، مضيفاً “وهذا ما حققناه بالفعل في العام الماضي”.
السعودية تتخطى مستهدف 100 مليون سائح سنوياً.. ربعهم من الخارج
وأشار الجدعان إلى أن العجز المالي في الميزانية السعودية هو “اختياري” بسبب “استثمار المملكة في تنويع الاقتصاد”. واستشهد بأن الأنشطة النفطية في السعودية نمت بنسبة 4.8% في النصف الأول من 2025، لتساهم الآن بأكثر من 55.6% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كما وصلت البطالة في السعودية الآن إلى أدنى مستوياتها في تاريخها.
الانتقائية في الذكاء الاصطناعي
من بين المجالات التي تركز السعودية عليها، التكنولوجيا، وقال الجدعان “لا نريد أن نتخلف عن الركب فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا على نطاق واسع، وهذا مجال التركيز”. وأضاف “مع ذلك، لا نساير الضجيج الإعلامي، وأعتقد أنه من الخطر محاولة بعض الدول القيام بكل شيء بالذكاء الاصطناعي هو خطرٌ بالغ”. وأوضح “علينا أن نكون انتقائيين للغاية في تحديد أي جزء من سلسلة قيمة الذكاء الاصطناعي نتمتع فيه بميزة تنافسية، وأن نضاعف جهودنا، وهذا ما نفعله”.
قال الجدعان إنه من المرجح أن يزيد الذكاء الاصطناعي الإنتاجية ويساعد الاقتصادات على الازدهار إذا استُخدم بشكل صحيح وبُذلت جهود أكبر لاعتماد نهج شامل للذكاء الاصطناعي. ولكن على الناحية الأخرى، حذر أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي في الواقع إلى زيادة الفجوة داخل البلدان، وبين الدول وبعضها، “إذا لم نكن حذرين على المستوى العالمي”.
“هيوماين” السعودية تدرس شراكة ذكاء اصطناعي مع “بلاك روك” و”بلاكستون”
وأوضح وزير المالية السعودي أن هناك تحديات على صعيد سلاسل الإمداد والطاقة، قائلاً” إذا نظرنا إلى دول العالم التي تفتقر إلى الذكاء الاصطناعي، سنجد أن شبكة الكهرباء تنهار في كثير منها، بل على وشك الانهيار، أي أنها على حافة طاقتها القصوى. وإذا أضفنا الطلب الكبير على الطاقة الذي يتطلبه الذكاء الاصطناعي، سنتسائل حينها عما إذا كان من الممكن بالفعل تحقيق تقدم سريع وطموح بالقدر الذي تسعى إليه الصناعة”.
الديون السيادية العالمية
عن التعامل مع الديون السيادية العالمية، قال رئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي إن المجتمع الدولي لا يبذل جهداً كافياً للتعامل مع موضوع الديون السيادية.
وأشار إلى أن “هناك إشارات مبدئية على أن هذه المشكلة أصبحت تحدياً وخيماً، المقلق أننا على الساحة العالمية لا نبذل ما يكفي من جهود للتصدي لهذه المشكلة”.
وقال رئيس اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي إن “الإطار المشترك” هو الهيكل الوحيد الموجود للبلدان التي تعاني لإعادة هيكلة ديونها، مستشهدا بنجاح 5 بلدان في هذه العملية، مشيراً إلى إنه الإطار الأول والوحيد الذي يجمع فعلياً أعضاء نادي باريس، والدول غير الأعضاء فيه، والدائنين من القطاع الخاص.
أوضح أنه “ليس هناك ضبط مؤسسي مناسب للشفافية، لقد طالبت بإضفاء طابع مؤسسي على الهيكلة، حتى نتمكن من الاتفاق على أمانة عامة، وأمانة عامة دائمة، تماماً مثل نادي باريس، وربما حتى عملية أكثر وضوحاً تشبه اتفاقية مستوى الخدمة بين الدائنين الذين يحتاجون إلى الاجتماع معاً، وما الذي يجب القيام به، ونوع البيانات التي يمكن تبادلها ومدى الشفافية والسهولة التي نجعل بها الأمر بالنسبة للدول للتقدم”.
أكد الجدعان أن الديون السيادية “من المخاطر العالمية التي نراقبها” في اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي.
كلفة خدمة الديون
شدد الجدعان على أن التحديات “واضحة بشكل ملفت، هناك 3.4 مليار شخص -أي نصف سكان العالم- يعيشون في بلدان تنفق على خدمة الدين أكثر مما تدفعه على المرافق الأساسية كالتعليم والصحة. وهذا سوء تخصيص موارد مقارنة بالاحتياجات الماسة”.
وقال الجدعان إن الدين العام المرتفع “يُقيّد المساحة المالية ويضيق المجال للعمل”، و”الاقتصادات محدودة الدخل بحاجة إلى مساحة مالية أوسع لإدارة المجتمع الذي يشيخ واليد العاملة المتراجعة والاستفادة من التقدم التكنولوجي”.
33 تريليون دولار على المحك.. اقتراح بتجميد ديون الدول الناشئة عند الأزمات
لإدارة الدين، قال الجدعان إن الأمر لا يقتصر على تقليصه فقط، بل “استخدام الديون بحكمة”. وأوضح أن “أغلب الاقتصاديين يرون أن المسار الجيد لتحويل الدين إلى ثروة أمر يعتمد على حسن تسيير الدين السيء نحو استثمارات ذكية قادرة على دفع عجلة الازدهار والنمو، والاستثمار في البنية التحتية الحرجة والتوسع في الترابط، والاستثمار في رأس المال البشري”.
وأشار الجدعان أن كلفة الديون تمثل “ضريبة تُفرَض على الجيل المقبل، دون إعطائه أداة تساعده”.