تخطط الحكومة الأمريكية لزيادة استثماراتها في شركات تعدين ومعالجة المعادن الحرجة، في تحول ملحوظ عن السياسات السابقة. يأتي هذا الإعلان من مسؤول كبير في البيت الأبيض، مؤكداً على ضرورة تقليل الاعتماد على الصين في سلسلة التوريد لهذه المواد الحيوية المستخدمة في صناعات متقدمة مثل أشباه الموصلات والتصوير الطبي. ويهدف هذا التحرك إلى تعزيز الأمن القومي الأمريكي وضمان استدامة الصناعات الاستراتيجية.

أكد جارود أجن، المدير التنفيذي للمجلس الوطني لهيمنة الطاقة، خلال منتدى في واشنطن أن الحكومة ترى في الاستحواذ على حصص في هذه الشركات ضرورة حتمية. وأضاف أن العديد من الشركات تتقدم بطلبات للحصول على دعم حكومي، مع تقديم مبررات قوية لأهمية مشاريعها. هذا التوجه يمثل تغيراً كبيراً في دور الحكومة الفيدرالية في دعم القطاع الخاص.

أهمية المعادن الحرجة وتصاعد التنافس العالمي

تُعدّ المعادن الحرجة، مثل الغاليوم والكوبالت والليثيوم، مكونات أساسية في مجموعة واسعة من المنتجات التكنولوجية والصناعية الحديثة. تشمل هذه المنتجات الهواتف الذكية، والمغناطيسات المستخدمة في السيارات الكهربائية، وأنظمة الدفاع المتقدمة مثل توجيه الصواريخ والرادار. كما أنها ضرورية لتطوير تقنيات الطاقة النظيفة، بما في ذلك البطاريات وأنظمة تخزين الطاقة.

تصاعد الاهتمام العالمي بالمعادن الحرجة مدفوعاً بالتحول نحو التكنولوجيا الخضراء والرقمنة. تتزايد المخاوف بشأن تركيز إنتاج هذه المعادن في يد عدد قليل من الدول، وعلى رأسها الصين، مما يهدد سلاسل التوريد العالمية ويشكل مخاطر على الأمن الاقتصادي والجيوسياسي.

صفقات الاستحواذ الأخيرة لإدارة ترمب

بدأت إدارة ترمب في اتخاذ خطوات ملموسة لتعزيز قدرات الولايات المتحدة في مجال المعادن الحرجة خلال العام الماضي. وقد أنفقت الإدارة أكثر من مليار دولار للاستحواذ على حصص في شركات أمريكية وكندية تعمل في هذا المجال.

من بين أبرز هذه الصفقات:

• استثمار بقيمة 400 مليون دولار للحصول على حصة 15% في شركة “إم بي ماتيريالز كورب” (MP Materials Corp)، وهي شركة أمريكية متخصصة في معالجة المعادن الأرضية النادرة.

• تمويل بقيمة 670 مليون دولار للحصول على حصة في شركة “فولكان إيليمنتس” (Vulcan Elements)، وهي شركة منتجة للمغناطيسات الدائمة.

• استثمار بقيمة 35.6 مليون دولار للحصول على حصة 10% في شركة “تريولوجي ميتالز” (Trilogy Metals)، وهي شركة كندية تعمل في استكشاف وتطوير مناجم المعادن.

بالإضافة إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) عن خطط لشراء وتخزين معادن حيوية بقيمة مليار دولار، بهدف بناء احتياطي استراتيجي لضمان استمرار عمل الصناعات الدفاعية في حالات الطوارئ. كما وافقت على إعادة هيكلة قرض بقيمة 2.23 مليار دولار لشركة “ليثيوم أميركاز” (Lithium Americas) مقابل الحصول على حصة في الشركة.

تداعيات الحرب التجارية مع الصين

تأتي هذه الاستثمارات الحكومية في سياق التوترات التجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين. فقد أدت القيود الأمريكية على الصادرات الصينية إلى ردود فعل من بكين، بما في ذلك تقييد شحنات المعادن الأرضية النادرة، مما أدى إلى تعطيل الإمدادات العالمية وارتفاع الأسعار.

أظهرت هذه الخطوة مدى اعتماد الولايات المتحدة على الصين في الحصول على هذه المواد الاستراتيجية، وأثارت مخاوف بشأن إمكانية استخدام الصين للمعادن النادرة كسلاح اقتصادي. وبحسب أجن، فإن الدعم الحكومي المباشر للشركات الأمريكية هو السبيل الوحيد لمواجهة الهيمنة الصينية في هذا المجال، حيث أن الشركات الصينية تحظى بدعم حكومي كبير.

المعادن النادرة ليست مجرد سلعة اقتصادية، بل أصبحت عنصراً أساسياً في الأمن القومي. تسعى الولايات المتحدة إلى تنويع مصادر إمداداتها وتقليل اعتمادها على دولة واحدة، من خلال الاستثمار في مشاريع التعدين والمعالجة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

تعتبر الاستثمارات في المعادن الحرجة جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية وتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة في المجالات التكنولوجية والاستراتيجية.

من المتوقع أن تستمر الحكومة الأمريكية في البحث عن فرص للاستثمار في شركات المعادن الحرجة، مع التركيز على المشاريع التي يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف الأمن القومي والاقتصادي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك القدرة على جذب الاستثمارات الخاصة، وتسريع عمليات الحصول على التصاريح البيئية، وتطوير تقنيات جديدة لاستخراج ومعالجة هذه المعادن بكفاءة وفعالية من حيث التكلفة.

تبقى التطورات في هذا المجال خاضعة للرصد والمتابعة، خاصةً مع التغيرات المحتملة في السياسات الحكومية المستقبلية وتطورات الحرب التجارية مع الصين.

شاركها.