مع استمرار نمو حجم التداول في سوق عقود الخيارات في الولايات المتحدة، تتزايد المخاوف بشأن تركيز عمليات المقاصة في عدد قليل من البنوك الكبرى. يشير خبراء القطاع إلى أن هذا الاعتماد المتزايد قد يشكل خطراً على الاستقرار المالي، خاصةً في ظل الأحجام القياسية التي يشهدها السوق حالياً والتي تتطلب قدرات أكبر لتسوية الصفقات وتغطية المخاطر المحتملة.

تعتمد جميع صفقات عقود الخيارات المدرجة في الولايات المتحدة على شركة “ذا أوبشنز كليرينغ” (The Options Clearing) لضمان تسوية هذه الصفقات. تتعامل الشركة مع أكثر من 70 مليون عقد يومياً خلال فترات الذروة، وتعتمد على أعضائها لتنفيذ هذه العمليات وتقديم الضمانات اللازمة في حال تعثر أي طرف.

مخاطر تركز عمليات مقاصة عقود الخيارات

أظهرت بيانات حديثة أن أكبر 5 بنوك تتولى حوالي نصف مساهمات صندوق التعثر لدى “ذا أوبشنز كليرينغ”، وهو الصندوق الرئيسي الذي يهدف إلى تغطية الخسائر المحتملة في حال تعثر أحد الأعضاء. ويشمل ذلك بنوكاً مثل بنك أوف أميركا وغولدمان ساكس وإيه بي إن أمرو، والتي تُعد بمثابة الضامن الأكبر لصانعي السوق الذين يقدمون السيولة اللازمة في هذا السوق. يرى مراقبون أن هذا التركيز يزيد من المخاطر النظامية، حيث أن تعثر أحد هذه البنوك قد يكون له تداعيات واسعة على السوق بأكمله.

صرح كريغ دوناهيو، الرئيس التنفيذي لشركة “سي بي أو إي غلوبال ماركتس” (Cboe Global Markets)، بأن هناك “مخاطر تركيز كبيرة لأعمال وساطة المقاصة في يد مجموعة محدودة”، معرباً عن قلقه الشديد بشأن هذا الأمر. ويستند هذا القلق على تجارب سابقة، مثل إفلاس شركة إم إف غلوبال في عام 2011، عندما كان دوناهيو يشغل منصب الرئيس التنفيذي لـ “سي إم إي غروب”.

تحديات جديدة تواجه صانعي السوق

بالإضافة إلى المخاطر المتعلقة بالبنوك الكبرى، يواجه سوق الخيارات تحديات جديدة تتعلق بنمو عمليات “المقاصة الذاتية” من قبل صانعي السوق. تُشير هذه العملية إلى انضمام صانعي السوق بشكل مباشر كأعضاء في غرفة المقاصة، مما قد يزيد من المخاطر نظراً لأنهم يمتلكون عادةً رأس مال أقل مقارنة بالبنوك الكبيرة. هذا النمو في المقاصة الذاتية مرتبط أيضاً بالزيادة الكبيرة في أحجام التداول، حيث ارتفعت بنسبة 52% في أكتوبر الماضي مقارنة بالعام السابق.

كما أن قلة عدد وسطاء المقاصة القادرين على إجراء الهامش المتقاطع بين العقود المستقبلية والخيارات يزيد من المخاطر. تسمح هذه الآلية بتقليل المخاطر الإجمالية من خلال تخفيض المراكز المتقابلة في الأدوات المرتبطة، مما يقلل من متطلبات هامش التغطية. ومع ذلك، فإن هذه الميزة لا تزال محدودة النطاق بسبب القيود التنظيمية والتشغيلية.

تفكك النظام الرقابي يعيق الحلول

يزيد من تعقيد الوضع تفكك النظام الرقابي في الولايات المتحدة، حيث تخضع البنوك لإشراف بنك الاحتياطي الفيدرالي، بينما تخضع شركات الوساطة وسوق الخيارات لهيئة الأوراق المالية والبورصات. في المقابل، تخضع العقود المستقبلية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالأسهم، لإشراف لجنة تداول السلع المستقبلية. ويؤدي هذا التشتت الرقابي إلى صعوبة تنسيق الجهود وإيجاد حلول شاملة لمواجهة المخاطر المتزايدة.

أدى صعود عقود الخيارات قصيرة الأجل وزيادة نشاط المستثمرين الأفراد إلى فرض ضغوط إضافية على أعضاء المقاصة. كما أن أي تحرك نحو التداول على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع قد يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والقدرات التكنولوجية، مما قد يحد من مشاركة مؤسسات جديدة.

صندوق التعثر والتغييرات المقترحة

تسعى شركة “ذا أوبشنز كليرينغ” إلى تعديل طريقة حساب مساهمات الأعضاء في صندوق التعثر، الذي يبلغ حجمه حوالي 20 مليار دولار. يهدف هذا التعديل إلى جعل المساهمات تعكس بشكل أفضل المخاطر السوقية الحقيقية لكل محفظة. واقترحت الشركة على هيئة الأوراق المالية والبورصات تغيير المعيار المستخدم في تحديد حجم المساهمات، بحيث يشمل سيناريوهات أكثر تطرفاً، مثل انهيار عام 1987 الذي شهد هبوطاً حاداً في مؤشر “داو جونز الصناعي”.

أكد أندريه بولكوفيتش، الرئيس التنفيذي لشركة “ذا أوبشنز كليرينغ”، على أن “هناك عدد قليل فقط من الأعضاء القادرين فعلياً على دعم بعض صانعي السوق”، معرباً عن رغبته في رؤية المزيد من المؤسسات تدخل هذا المجال. ويعتقد أن زيادة المنافسة وتوزيع القدرات بشكل أوسع سيكون مفيداً للسوق بشكل عام.

من المتوقع أن تتكلف هذه التحديثات والتحسينات استثمارات كبيرة، والتي قد يتحملها العملاء في نهاية المطاف من خلال زيادة الرسوم. وذكرت مصادر أن بنك أوف أميركا قد رفع بالفعل الرسوم التي يفرضها على صفقات مقاصة الخيارات.

في الختام، يواجه سوق عقود الخيارات تحديات متزايدة تتعلق بتركيز عمليات المقاصة والمخاطر النظامية المحتملة. من المرجح أن تقوم هيئة الأوراق المالية والبورصات بتقييم الاقتراحات المقدمة من شركة “ذا أوبشنز كليرينغ” بشأن تعديل صندوق التعثر خلال الأشهر القادمة. ويجب مراقبة تطورات هذه القضية عن كثب لتقييم تأثيرها على استقرار السوق المالي.

شاركها.