عاد أندريه بابيش إلى رئاسة الوزراء في جمهورية التشيك بعد فوزه في الانتخابات، مما يثير تساؤلات حول مستقبل البلاد في الاتحاد الأوروبي ومواقفها من قضايا رئيسية مثل دعم أوكرانيا وصفقة الخضراء. هذه العودة تضع براغ في صفوف الدول التي يشهد قادتها صعودًا لسياسيين شعبويين متشككين في التكامل الأوروبي. ويعتبر هذا الحدث الأحدث في سلسلة من التطورات السياسية المماثلة في دول أوروبا الوسطى.
عودة بابيش وتشكيل الحكومة: تداعيات على السياسة التشيكية والأوروبية
أُعلن عن فوز حركة ANO بزعامة أندريه بابيش في الانتخابات التشيكية في وقت سابق من هذا الشهر. ومع ذلك، رفض الرئيس التشيكي بيتر بافل في البداية تعيينه، مطالباً بنقل إدارة إمبراطوريته التجارية الضخمة، Agrofert، إلى إداريين مستقلين لتجنب تضارب المصالح. وقد وافق بابيش لاحقًا على هذا الشرط، مما أفسح المجال لتشكيل حكومته.
تشكلت الحكومة الجديدة من ائتلاف غير تقليدي يضم حزب ANO، وحزب سائقي السيارات (Motorists) المتشدد في موقفه من تغير المناخ، والحزب الديمقراطي الاجتماعي التشيكي (SPD) الذي يعارض علنًا الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). حصل حزب سائقي السيارات على أربعة مقاعد وزارية، بينما حصل حزب SPD على ثلاثة مقاعد.
سيطرة بابيش على المناصب الرئيسية
على الرغم من الائتلاف، احتفظ بابيش بالسيطرة على تسعة مناصب وزارية رئيسية، بما في ذلك منصب رئيس الوزراء نفسه. يُنظر إلى هذا الإجراء على أنه استراتيجية لضمان بقاء السلطة في يد المقربين منه، والحد من تأثير الأطراف المتشددة داخل الحكومة. ويصفه البعض بأنه أسلوب إداري بحت، حيث يضمن الرئيس التنفيذي (كما يصفه البعض) السيطرة على القرارات الرئيسية.
يُذكر أن أسلوب بابيش يختلف عن أسلوب فيكتور أوربان في المجر. فبينما يعتبر أوربان شخصية أيديولوجية، يُنظر إلى بابيش على أنه رجل أعمال براغماتي يميل إلى تبني الخطاب الذي يلقى صدى لدى الجماهير. ويقول المحللون أن هذا الخطاب الشعبي يخدم أهدافه السياسية والاقتصادية.
دعم أوكرانيا والسياسة الاقتصادية: المفاوضات وراء الكواليس
أثار فوز بابيش مخاوف بشأن مستقبل الدعم التشيكي لأوكرانيا. لقد عبر عن مواقف متشككة بشأن استمرار المساعدات العسكرية والمالية لكييف. ومع ذلك، تشير التقارير إلى أنه على الرغم من خطابه الحاد، فإنه من غير المرجح أن يوقف مصانع الأسلحة التشيكية بيع الذخيرة لأوكرانيا، نظرًا للأرباح الكبيرة التي تحققها هذه الصفقات.
علاوة على ذلك، من المتوقع أن يعارض بابيش صفقة الخضراء الأوروبية، لكنه سيفعل ذلك بشكل أساسي لحماية صناعة السيارات التشيكية، التي تمثل 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وربع صادراتها. وهذا يعكس تركيزه على حماية المصالح الاقتصادية الوطنية، حتى لو كان ذلك يعني الاصطدام بسياسات الاتحاد الأوروبي.
قد يلجأ بابيش إلى التهديد بالخروج من الاتحاد الأوروبي كوسيلة للضغط للحصول على شروط أفضل لبلاده. لكنه، كما يرى البعض، يمتلك الكثير من الأصول القيمة داخل الاتحاد الأوروبي، مما يجعله مترددًا في المخاطرة بتدمير هذه المنظومة.
التحديات المستقبلية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي
تواجه الحكومة التشيكية الجديدة تحديات كبيرة، بما في ذلك إدارة الاقتصاد في ظل الظروف العالمية الصعبة، والتعامل مع الضغوط المتزايدة بشأن الهجرة، والحفاظ على علاقات جيدة مع الشركاء الأوروبيين.
من المرجح أن تكون العلاقات مع الاتحاد الأوروبي محورًا رئيسيًا للتوتر. فمن المتوقع أن يتبنى بابيش موقفًا متشددًا في المفاوضات مع بروكسل، وأن يسعى إلى الحصول على تنازلات في مجالات مثل الطاقة والبيئة.
في الوقت الحالي، من المقرر أن يقدم بابيش برنامج حكومته أمام البرلمان التشيكي في الأسابيع القادمة. سيكون هذا البرنامج بمثابة اختبار حقيقي لمدى قدرته على تحقيق التوازن بين وعوده الانتخابية ومتطلبات الحكم الفعلي. ويراقب المراقبون عن كثب ردود فعل الأحزاب الأخرى في البرلمان، وكذلك موقف الاتحاد الأوروبي من الحكومة الجديدة.
يبقى مستقبل السياسة التشيكية غير مؤكدًا، لكن عودة أندريه بابيش إلى السلطة تمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ البلاد. وسيكون من الضروري مراقبة تطورات الأحداث في الأسابيع والأشهر القادمة لتقييم التأثير الكامل لهذه التغييرات على جمهورية التشيك وأوروبا.






