أدى الضغط المتجدد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب للتفاوض على إنهاء حرب روسيا في أوكرانيا إلى زيادة إلحاح الأخيرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
فيما يناقش حلفاء أوكرانيا الضمانات الأمنية لردع مزيد من الاستيلاء الروسي على الأراضي، فإن أحد الخيارات للمستقبل البعيد هو أن تصبح أوكرانيا جزءاً من الاتحاد الأوروبي، فيشملها بند الدفاع المتبادل بين دول التكتل.
على الاتحاد الأوروبي التفكير ملياً في قبول عضوية أوكرانيا
بعد سنوات من المحادثات البطيئة مع الاتحاد الأوروبي حول التكامل المحتمل، عدلت أوكرانيا دستورها في عام 2019 ليشمل هدفاً استراتيجياً للانضمام إلى الاتحاد السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. تقدمت بطلب للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بعد أيام قليلة من الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022، ومنحت “صفة المرشح” بعد ما يقرب من أربعة أشهر.
وافق المجلس الأوروبي على فتح مفاوضات الانضمام في أواخر عام 2023، وبدأت المحادثات رسمياً في يونيو من العام الماضي. وما تزال المفاوضات قائمةً، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضرورة حصول المرشحين على موافقة بالإجماع من الدول الأعضاء الحالية للمضي قدماً إلى الخطوة التالية.
لقد سعى رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان إلى منع انضمام أوكرانيا، وحاول القادة الأوروبيون الاستفادة من حليف أوربان ترمب للضغط عليه لتسهيل الطريق، حسبما نقلت بلومبرغ.
هل عضوية الاتحاد الأوروبي تضمن الأمن؟
لا تعد عضوية الاتحاد الأوروبي خياراً لضمان أمني فوري، إذ إن الانضمام إلى الكتلة عملية تستغرق سنوات. لكن، بمجرد أن تصبح دولة ما جزءاً من الاتحاد الأوروبي، فإن بند الدفاع المشترك للكتلة -المنصوص عليه في المادة 42.7 من معاهدة الاتحاد الأوروبي- ينص بالتفصيل على أنه إذا كانت دولة عضو ضحية لعدوان مسلح، فإن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لديها “التزام بمساعدتها ودعمها بكل الوسائل المتاحة لها“.
يُشبه هذا الترتيب ترتيب الدفاع الجماعي المنصوص عليه في المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، التي تنص على أن أي هجوم على أحد الأعضاء يُعتبر “هجوماً عليهم جميعاً”. مع ذلك، يُلزم الناتو أعضاء التحالف فقط باتخاذ الإجراءات التي “يرونها ضرورية”، بدلاً من بذل كل ما في وسعهم.
كما هو الحال مع المادة الخامسة، لا يُقيد بند الدفاع المشترك في الاتحاد الأوروبي المساعدة باستخدام القوة المسلحة. تتضمن المادة 42.7 تنويهاً بأنه يسمح لدول مثل النمسا وأيرلندا بالرد بطريقة لا تنتهك سياسة الحياد التي تتبعها.
لم يُختبر التزام الاتحاد الأوروبي بعد رداً على هجوم عسكري من دولة أخرى. ولم تُستخدم المادة 42.7 إلا مرة واحدة، إذ فعّلتها فرنسا في عام 2015 بعد هجمات باريس الإرهابية.
ما هي إجراءات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
هناك ثلاث خطوات رئيسية، تتطلب جميعها موافقة الدول الأعضاء الحالية البالغ عددها 27 دولة:
تأمين وضع المرشح من خلال تلبية معايير سياسية واقتصادية معينة، مثل الحفاظ على سيادة القانون واقتصاد السوق الفعال.
مفاوضات العضوية، والتي يجب على الدولة المرشحة خلالها إجراء إصلاحات لمواءمة قوانينها ولوائحها مع قوانين ولوائح الاتحاد الأوروبي.
موافقة المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي على معاهدة الانضمام قبل توقيعها والتصديق عليها من جميع الدول الأعضاء والدولة المرشحة.
عارض أوربان رئيس وزراء هنغاريا فتح مفاوضات العضوية مع أوكرانيا، قائلاً إن البلاد لم تكن مستعدة. تمكن الاتحاد الأوروبي من التغلب على هذا الأمر حيث لم يكن أوربان حاضراً في القاعة للتصويت النهائي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
أوكرانيا حالياً في الخطوة الثانية من عملية الانضمام. يركز هذا على التوافق مع 35 فصلاً من سياسة الاتحاد الأوروبي مجمعة في ستة “عناقيد” تشمل: القيم الأساسية مثل المؤسسات الديمقراطية والقضاء المستقل؛ قواعد السوق الداخلية؛ القدرة التنافسية؛ السياسات الخضراء؛ الموارد والزراعة؛ والعلاقات الخارجية.
مع ذلك، لا يمكن أن تبدأ المفاوضات بشأن كل مجموعة إلا بموافقة إجماعية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وقد أعاق أوربان، الذي تربطه علاقات وثيقة بروسيا واستخدم حق النقض سابقاً ضد المساعدات العسكرية من الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، افتتاح المحادثات بشأن المجموعة الأولى مع أوكرانيا.
روسيا وأوكرانيا تستنزفان ذخائر العالم
كانت أوكرانيا تأمل في بدء المفاوضات بشأن ثلاث من المجموعات بحلول يوليو وبقية المجموعات بحلول نهاية العام. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يونيو إن أوكرانيا بحاجة إلى “قرار واضح” من الاتحاد الأوروبي بشأن بدء هذه المحادثات لأنها “استوفت جميع الشروط”.
كم من الوقت تستغرق عملية الانضمام؟
إنها مفتوحة. استغرق الأمر في المتوسط حوالي تسع سنوات لكل من الأعضاء غير المؤسسين الحاليين للاتحاد الأوروبي لإكمال انضمامهم، وفقًا لمركز ”بيو ريسرتش سنتر“ البحثي. انتظرت كرواتيا، أحدث عضو في الاتحاد، 10 سنوات قبل قبول طلبها رسمياً في عام 2013، بينما كان من نصيب قبرص ومالطا أطول فترات انتظار بلغت حوالي 14 عاماً. كانت تركيا مرشحة منذ عام 1999، بيد أن تزايد سلطوية حكومتها في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان أدّى إلى توقف مسار انضمامها.
لقد أوضح الاتحاد الأوروبي أنه لا يوجد مسار سريع. ومع ذلك، فازت أوكرانيا بوضع الترشح بعد أربعة أشهر فقط من تقديم طلبها رسمياً، بينما اضطرت ألبانيا إلى الانتظار خمس سنوات للحصول على الترشح بعد تقديم طلبها في عام 2009. وأوكرانيا هي واحدة من تسع دول مُنحت وضع مرشح للاتحاد الأوروبي.
هل تستطيع أوكرانيا تلبية متطلبات الانضمام للاتحاد الأوروبي؟
إن المهمة الأكثر تحدياً لحكومة أوكرانيا هي إقناع الاتحاد الأوروبي بأنها نفذت بنجاح الإصلاحات المطلوبة، وخاصة تلك التي تهدف إلى معالجة الفساد المستشري. وبينما أحرزت تقدماً في كسرة شوكة الفساد، إلا أن فضائح الفساد، بما يشمل المتعلقة بجيشها، ما تزال كثيرة.
في يوليو، وقع زيلينسكي على مشروع قانون مثير للجدل كان من شأنه أن يعرقل وكالات مكافحة الفساد المستقلة في البلاد، التي أقامتها البلاد بإصرار من المانحين الدوليين قبل عقد. بينما تراجع بسرعة عن التغييرات بعد الغضب العام والإدانة من الاتحاد الأوروبي، فقد أثار الحادث الشكوك حول ما إذا كانت هذه الوكالات ستتمكن من الحفاظ على استقلاليتها.
من المخاوف الأخرى للاتحاد الأوروبي نزاهة النظام القضائي الأوكراني، الذي تستشهد به الشركات الأجنبية باستمرار كعائق أمام الاستثمار. وقد تراجعت أوكرانيا مرتبة واحدة إلى المرتبة 105 من بين 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 لمنظمة الشفافية الدولية، الذي يقيس المستويات المتصورة للفساد في القطاع العام.
هل يؤيد الأوكرانيون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
إن التقارب مع الاتحاد الأوروبي قوي في أوكرانيا. في استطلاع للرأي أجراه معهد ”جانوس“ للدراسات والتوقعات الاستراتيجية ومركز ”سوسيس“ للبحوث الاجتماعية والتسويقية ومجلة ”بارومتر“ للرأي العام في أوائل يونيو من هذا العام، قال ما يقرب من 69% من المشاركين إنهم سيصوتون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إن دعوا إلى استفتاء في المستقبل القريب. كان ميل الجمهور الأوكراني نحو أوروبا هو القوة الدافعة للتوترات مع روسيا منذ الثورة البرتقالية عام 2004 على الأقل، التي أدت إلى إلغاء انتخاب الرئيس فيكتور يانوكوفيتش بعد إعلان تزوير الاقتراع وإلغائه.
وصل الزعيم المدعوم من الكرملين إلى السلطة في عام 2010، وعندما تراجع عن توقيع معاهدة تعاون مع الاتحاد الأوروبي في عام 2013 تحت ضغط من روسيا، نما الغضب الشعبي إلى ثورة الميدان، التي أطاحت بحكومة يانوكوفيتش.
تكتيك أوكرانيا يُعلّم الدول الأصغر كيف تقاوم
كان الاندماج الكامل في الاتحاد الأوروبي يبدو وكأنه احتمال بعيد، إذ كانت بعض الدول الأعضاء مترددة بشأن التوسع المستمر ولديها مخاوف بشأن التحول الاقتصادي لأوكرانيا بعد الشيوعية. لكن الهجوم العسكري الروسي الشامل في عام 2022 غيّر الحسابات. في أبريل من ذلك العام، أصرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على أن أوكرانيا تنتمي إلى “الأسرة الأوروبية“.
وفي يونيو، زار المستشار الألماني آنذاك أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي آنذاك ماريو دراغي إلى كييف ووعدوا بدعم محاولة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أعطت حرب روسيا ومحاولاتها لزعزعة استقرار أوروبا زخماً جديداً لسياسة التوسع الشاملة للاتحاد الأوروبي.
لماذا يعارض رئيس وزراء هنغاريا مسعى أوكرانيا؟
على عكس القادة الأوروبيين الآخرين، حافظ أوربان على علاقات ودية مع الرئيس فلاديمير بوتين منذ الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا. تعتمد هنغاريا على روسيا في الحصول على النفط؛ فقد تم إعفاؤها من حظر الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي في عام 2022، ما يسمح للدولة معدومة الشواطئ بمواصلة تلقي الإمدادات عبر خط أنابيب دروجبا الذي يمر عبر أوكرانيا.
قال أوربان إن قبول أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي سيكون بمثابة “انتحار اقتصادي” ويهدد الوظائف في قطاع الزراعة في هنغاريا. واتهم الحكومة الأوكرانية بالفشل في حماية حقوق من ينمون عرقياً لهنغاريا ويعيشون في غرب أوكرانيا؛ حتى مع تعديل قوانين أوكرانيا لتعزيز حماية الأقليات. ترمب، الذي قال إنه سيكون “مستحيلاً” على أوكرانيا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي ولكنه أكثر دعماً للبلاد في تأمين عضوية الاتحاد الأوروبي، اتصل بأوربان في منتصف أغسطس لمناقشة سبب عرقلته لعملية الانضمام، حسبما نقلت بلومبرغ.
لقد أثارت زيارة زعماء أوربيين رافقوا زيلينسكي إلى محادثاته في البيت الأبيض وطلبوا من الرئيس الأميركي استخدام نفوذه لحمل أوربان على إسقاط معارضته. هنغاريا ليست العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي يقلقه التوسع. هناك قلق أكثر عمومية بين بعض بلدان الكتلة من أن التوسع قد يخلق مشاكل إضافية؛ وهو الخوف الناجم عن المواجهة مع هنغاريا وبولندا بشأن سيادة القانون والنضال في الدول الأعضاء مثل رومانيا وبلغاريا لمعالجة الفساد.