هذه الصورة يمكن ربما كان من الممكن تعليق هذه القطعة في معرض فني، ولكنها بدأت حياتها كقطعة صغيرة من دماغ امرأة. في عام 2014، تم استئصال قطعة صغيرة من قشرتها الدماغية لامرأة خضعت لعملية جراحية لعلاج الصرع. وقد سمح هذا المليمتر المكعب من الأنسجة لباحثي جامعة هارفارد وجوجل بإنتاج مخطط الأسلاك الأكثر تفصيلاً للدماغ البشري الذي رآه العالم على الإطلاق.

لقد أمضى علماء الأحياء وخبراء التعلم الآلي 10 سنوات في بناء خريطة تفاعلية لأنسجة المخ، والتي تحتوي على ما يقرب من 57000 خلية و150 مليون مشبك. وهي تُظهر خلايا تلتف حول نفسها، وأزواج من الخلايا تبدو وكأنها معكوسة، و”أشياء” على شكل بيضة تتحدى التصنيف وفقًا للبحث. ومن المتوقع أن يساعد هذا الرسم البياني المعقد بشكل مذهل في دفع البحث العلمي إلى الأمام، من فهم الدوائر العصبية البشرية إلى العلاجات المحتملة للاضطرابات.

يقول دانييل بيرجر، أحد الباحثين الرئيسيين في المشروع والمتخصص في علم التوصيلات العصبية، وهو العلم الذي يدرس كيفية ارتباط الخلايا العصبية الفردية بتكوين شبكات وظيفية: “إذا رسمنا خريطة للأشياء بدقة عالية للغاية، ورأينا جميع الاتصالات بين الخلايا العصبية المختلفة، وقمنا بتحليل ذلك على نطاق واسع، فقد نتمكن من تحديد قواعد التوصيل. ومن هذا، قد نتمكن من إنشاء نماذج تشرح ميكانيكيًا كيفية عمل التفكير أو تخزين الذاكرة”.

يوضح جيف ليختمان، أستاذ علم الأحياء الجزيئي والخلوي في جامعة هارفارد، أن الباحثين في مختبره، بقيادة أليكس شابسون كو، أنشأوا خريطة الدماغ من خلال التقاط صور فرعية للخلايا باستخدام المجهر الإلكتروني. تم صبغ أنسجة دماغ المرأة البالغة من العمر 45 عامًا بالمعادن الثقيلة، والتي ترتبط بالأغشية الدهنية في الخلايا. تم ذلك حتى تصبح الخلايا مرئية عند رؤيتها من خلال المجهر الإلكتروني، حيث تعكس المعادن الثقيلة الإلكترونات.

وبعد ذلك، تم غرس الأنسجة في الراتنج حتى يمكن تقطيعها إلى شرائح رقيقة للغاية، يبلغ سمكها 34 نانومترًا فقط (بالمقارنة، يبلغ سمك قطعة ورق نموذجية حوالي 100000 نانومتر). وقد تم ذلك لتسهيل رسم الخرائط، كما يقول بيرجر – لتحويل مشكلة ثلاثية الأبعاد إلى مشكلة ثنائية الأبعاد. بعد ذلك، التقط الفريق صورًا بالمجهر الإلكتروني لكل شريحة ثنائية الأبعاد، والتي بلغت 1.4 بيتابايت من البيانات.

وبمجرد حصول باحثي هارفارد على هذه الصور، فعلوا ما يفعله الكثير منا عندما يواجهون مشكلة: لجأوا إلى جوجل. قام فريق من شركة التكنولوجيا العملاقة بقيادة فيرين جين بمحاذاة الصور ثنائية الأبعاد باستخدام خوارزميات التعلم الآلي لإنتاج عمليات إعادة بناء ثلاثية الأبعاد مع التجزئة التلقائية، حيث يتم التمييز بين المكونات داخل الصورة – على سبيل المثال، أنواع مختلفة من الخلايا – وتصنيفها تلقائيًا. تطلب بعض التجزئة ما أسماه ليختمان “بيانات الحقيقة الأساسية”، والتي تضمنت إعادة رسم بعض الأنسجة يدويًا بواسطة بيرجر (الذي عمل عن كثب مع فريق جوجل) لمزيد من إعلام الخوارزميات.

ويوضح بيرجر أن التكنولوجيا الرقمية مكنته من رؤية جميع الخلايا في عينة الأنسجة هذه وتلوينها بشكل مختلف حسب حجمها. أما الطرق التقليدية لتصوير الخلايا العصبية، مثل تلوين العينات بمادة كيميائية تُعرف باسم صبغة جولجي، والتي تُستخدم منذ أكثر من قرن من الزمان، فتترك بعض عناصر الأنسجة العصبية مخفية.

شاركها.