لم تكن منطقة مقابر مركز الطود جنوب الأقصر على موعد مع دفن معتاد، بل تحولت إلى ساحة مأساة كبرى كادت أن تودي بحياة الرجل الذي أفنى عمره في خدمة الموتى مجانًا، “مجاهد يوسف مهدي”، ابن قرية الفتاتيح.

الرجل المعروف بين أهالي قريته بإخلاصه وتفانيه في خدمة الموتى، لقى حادث مأساوي أثناء قيامه بعمله التطوعي في حفر أحد القبور.

“مجاهد” الذي لم يتردد يومًا في تلبية نداء أي أسرة فقدت عزيزًا، اعتاد أن يضع نفسه في الصفوف الأولى لخدمة أهالي قريته في أصعب اللحظات، إذ كان يحمل المعول بيديه ويهبط إلى باطن الأرض ليفتح قبورًا تأوي أجساد الراحلين في هدوء ورحمة دون أن يتقاضى جنيهًا واحدًا، مكتفيًا بنيته الخالصة أن يكون عمله “لوجه الله”.

لكن القدر أراد أن يضعه هذه المرة في مواجهة مباشرة مع الموت وهو لا يزال على قيد الحياة، فبينما كان منشغلاً بحفر أحد القبور انهار جزء من الجدار الترابي عليه فجأة ليغمر جسده بالكامل ويظل عالقًا تحت الرمال الثقيلة أكثر من ساعة ونصف في مشهد أصاب الأهالي بالرعب والذهول.

وهرع أبناء القرية من كل صوب، بعضهم بأدوات بدائية وآخرون بأيديهم المجردة، يحاولون الحفر والبحث في سباق مع الزمن لإنقاذ الرجل الذي طالما كان سندًا لهم في مواقف الفقد والألم، وتحولت المقابر إلى ساحة صراع بين الحياة والموت حيث ارتفعت أصوات الاستغاثة والدموع تملأ العيون خوفًا من فقدان رجل لم يعرف يومًا معنى التخاذل عن خدمة الآخرين .

وبعد محاولات مضنية استمرت أكثر من تسعين دقيقة نجح الأهالي في إخراج مجاهد من تحت الركام وهو في حالة صحية متدهورة، منهك الأنفاس، لكن ما زال قلبه يخفق بضعف ليعلن أن معركة الحياة لم تنتهِ بعد، وأنه لا يزال بين أبناء قريته الذين وقفوا حوله مشدوهين شاكرين الله على نجاته من موت محقق.

شاركها.