|

كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، يواجه واحدة من أعقد معضلاته السياسية منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة، وذلك عقب موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على صفقة جزئية لتبادل الأسرى.

وتقول المحللة السياسية للصحيفة، آنا براسكي، إن هذه الخطوة وضعت نتنياهو بين خيارين صعبين: إما القبول بالصفقة وهو ما قد يؤدي إلى تفكك حكومته اليمينية، أو رفضها ومواصلة الحرب مع المخاطرة بفقدان الغطاء الأميركي.

وتسلط المراسلة الضوء على سمة التردد التي تطبع مواقف نتنياهو، والتي تعزز من دور وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، الذي يقود معسكر الرفض بتحذيره من أن الصفقة الجزئية ستمنح حماس فرصة لإعادة ترتيب صفوفها، وذلك في وقت تخشى فيه إسرائيل من أن ينفد صبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قد يفقد صبره من حرب طويلة بلا أفق واضح، ويبدأ في الدعوة لإنهائها بسرعة.

وتزعم براسكي أنّ موافقة حماس الجزئية لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت تحت ضغط الخطة الإسرائيلية لاقتحام مدينة غزة (عربات جدعون 2)، وتقول إنها المرة الأولى منذ استئناف الحرب على غزة التي تبدي فيها الحركة استعدادا للدخول في اتفاق جزئي، مما أثار على الفور جدلا داخليا في إسرائيل حول الرد المناسب.

وتتجاهل المراسلة أن حماس تعاملت بإيجابية عدة مرات مع خطة المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لصفقة جزئية، في حين أن حكومة نتنياهو هي التي رفضتها مرارا، بما في ذلك النسخة الأخيرة منها.

محاولة تحميل الأميركيين شروط نتنياهو

وتؤكد المراسلة السياسية على التباين الحاصل في الحكومة الإسرائيلية في التعامل مع قبول حماس لخطة ويتكوف. فمن جهة، هناك ديرمر، المقرب من نتنياهو والذي يُعتبر “رجل إسرائيل في واشنطن”، والذي يعتقد أن التوصل إلى اتفاق جزئي سيكون خطأ إستراتيجيا فادحا.

 ويرى ديرمر أن الحل ليس مع حماس وإنما مع الولايات المتحدة، إذ يجب أن تتبنى واشنطن المبادئ الإسرائيلية الخمسة كصورة نهائية للحرب، والتي أعلنها نتنياهو، وهي:

  1. نزع سلاح حماس.
  2. استعادة جميع الأسرى.
  3. نزع سلاح غزة بالكامل.
  4. فرض سيطرة أمنية إسرائيلية على القطاع.
  5. تشكيل حكم مدني بديل لا يرتبط لا بحماس ولا بالسلطة الفلسطينية.

ويرى ديرمر أنّ تبني الأميركيين لهذه الرؤية سيمنح إسرائيل مكسبا مزدوجا، فإذا قبلت حماس بالخطة كان ذلك انتصارا كاملا، وإذا رفضتها فستحظى إسرائيل بشرعية أميركية لمواصلة الحرب.

في المقابل، يطرح رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي وآخرون مقاربة مغايرة، تقوم على كسر النمط المعتاد والقبول بإنقاذ من يمكن إنقاذه الآن. ويعتبر هؤلاء أن انتظار “صفقة شاملة” قد يضيع فرصة فورية لتحرير بعض الأسرى، وأن الواقع الداخلي والدولي لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة.

تشير الكاتبة إلى أنّ خطة ديرمر تصطدم بعقبة كبيرة، لأن قبول حماس المبدئي بصفقة جزئية يقوّض حجته أمام البيت الأبيض، حيث إن الإدارة الأميركية قد ترى أن وجود فرصة فعلية لصفقة، ولو محدودة، يجعل من غير المنطقي الانتظار لخطة شاملة قد لا تتحقق أبدا.

بل والأكثر من ذلك، الصفقة الجزئية تمنح حماس فترة زمنية تتراوح بين شهرين و3، قد تستغلها لتعزيز قوتها وإعادة ترتيب أوراقها، وربما السعي لفرض “صورة نهاية” بديلة بمساعدة الأميركيين أنفسهم، وهو ما يراه ديرمر السيناريو الأخطر.

وتقول براسكي إن نتنياهو يعرف تماما تحليل ديرمر، لكنه أقرب بحكم غريزته التي تتسم بالتردد إلى موقف هنغبي، أي الاستمرار في سياسة “التنفس الاصطناعي”: صفقة جزئية أخرى وهدنة أخرى، ثم مواصلة القتال.

لكن المشكلة هذه المرة تختلف عن سابقاتها، إذ بدأت أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء تفقدان صبرهما إزاء حرب طويلة لم تحسم بعد. كما أن الضغط الشعبي داخل إسرائيل بلغ مستويات غير مسبوقة، والعائلات لم تعد تقبل أعذارا جديدة.

الحسابات السياسية

وبحسب المراسلة السياسية، فإن المعضلة لا تقف عند حدود البعد الأمني والسياسي، بل تمتد إلى الحسابات الداخلية. فقبول نتنياهو بصفقة جزئية يعني تقريبا انهيار حكومته الحالية، إذ سيسارع الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إلى الانسحاب من الحكومة، مما يفقده أغلبيته البرلمانية.

ولكنها تشير في المقابل إلى تلويح وزير الدفاع الأسبق ورئيس حزب معسكر الدولة، بيني غانتس، الذي دعا مؤخرا إلى تشكيل “حكومة فداء الأسرى”، باستعداده للانضمام مجددا إلى الائتلاف باسم “المسؤولية الوطنية”.

وتقول إنه إذا قرر نتنياهو قبول الصفقة، فسيكون بمقدوره استدعاء غانتس والحصول كذلك على شبكة أمان من زعيم المعارضة يائير لبيد، وبناء ائتلاف بديل أكثر استقرارا يقوده حتى الانتخابات المقبلة التي قد يتم تقديم موعدها.

لكن في حال رفض نتنياهو الصفقة، فسيبقى أسيرا لابتزاز “المعسكر المتشدد” المتمثل بسموتريتش وبن غفير، مع كل المخاطر التي قد تترتب على ذلك، سواء داخليا أو خارجيا.

وتؤكد براسكي أن نتنياهو اعتاد طوال مسيرته السياسية على أسلوب المماطلة وتأجيل القرارات الصعبة، لكنه هذه المرة يواجه وضعا مختلفا. فالوقت يوشك أن ينفد، والضغوط الأميركية والأوروبية تتصاعد، بينما لم تعد عائلات الأسرى تقبل الانتظار. وهو يدرك أن تردده قد يحدد صورته في التاريخ: هل سيُذكر كمن هزم حماس وأنهى الحرب بصورة انتصار، أم كمن فشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفشل كذلك في إدارة ما بعده؟

وتطرح براسكي في ختام مقالها السؤال الذي يفترض أن يجيب عليه نتنياهو بشكل واضح: هل يقبل صفقة جزئية الآن بثمن سياسي مباشر، أم يذهب حتى النهاية في رهانه على المظلة الأميركية؟

وتقول إنه إلى أن يتخذ القرار، “يبقى نتنياهو معلّقا بين عالمين، لكن هذه المرة لن يكون بمقدوره الهروب، ففي النهاية، سيُحكم عليه ليس فقط بما فعله، وإنما أيضا بما لم يجرؤ على فعله”.

شاركها.