واصل الجامع الأزهر، سلسلة أمسياته التي ينظمها بمناسبة الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم اليوم، الإثنين، وجاءت ندوة اليوم بعنوان: “النبي صلى الله عليه وسلم والعدل”، بحضور د. رمضان الصاوي، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري، وأدار الأمسية الإعلامي عمر هاشم، المذيع بقنوات النيل التليفزيون المصري.

الدكتور رمضان الصاوي: النبي جاء ليقيم العدل في وقت عز فيه العدل

في بداية الأمسية، قال الدكتور رمضان الصاوي، إن النبي ﷺ جاء ليقيم العدل في الأرض في وقت عز فيه العدل والإنصاف بين الناس، حيث أقام ﷺ قواعد العدل حتى قبل رسالته ﷺ وهو ما تحكيه سيرته ﷺ، عندما اختلف أهل مكة على وضع الحجر الأسود بيد أي قبيلة، فما كان من النبي ﷺ إلا أن أشار عليهم برأي هو عين العدل والإنصاف، ولولا فعل رسول الله ﷺ لتحول الأمر إلى معركة كبيرة وقتال بين القبائل. 

وأضاف نائب رئيس جامعة الأزهر، أن النبي ﷺ بدأ بتطبيق العدل على نفسه وأهل بيته أولًا، وهو ما نلاحظه من موقفه ﷺ عندما ضرب أحد الناس بسواك، فقال الرجل أوجعتني يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: “تعالى فاقتص مني فإني لا أغضب”، فقال الرجل عفوت يا رسول الله، وهو أعلا مراتب العدل أن يطبق الإنسان مبادئه على نفسه، وفي أهل بيته عندما أهدته السيدة عائشة “قصعة” بها طعام، فأخذتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فكسرتها، فقال النبي ﷺ: “جفنة بجفنة وطعام وبطعام”، وما يميز هذا المشهد أن النبي ﷺ شغله إقامة العدل عن الغضب لنفسه أو لشخصه الكريم ﷺ.   

وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن النبي ﷺ مأمور بإقامة العدل في الدنيا من قبل الحق سبحانه وتعالى فقال تعالى: ﴿ فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾، لأن الحق سبحانه وتعالى يأمر بالعدل والإحسان قال تعالى: ﴿ ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، مبينا أن هذا الأمر هو أمر من المولى سبحانه وتعالى لكل الأنبياء، قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾. 

وبيّن نائب رئيس جامعة الأزهر، أن النبي ﷺ لم يأمرنا بالعدل في إطاره النظري فقط، وإنما ﷺ جسد قيم العدل والإنصاف في كل المواقف، وهو ما نشهده في موقف عندما جاءه أسامه بن زيد يشفع في المرأة المخزومية، فَقالَ رسول اللَّهِ ﷺ: أتشفع في حد من حدود اللَّهِ، ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الَّذِينَ قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايْمُ اللَّهِ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ومن المواقف التي تبين عدله ﷺ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه ـ: أن أباه أتى به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ( إني نَحَلْتُ (أعطيت) ابني هذا غلاما كان لي، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أَكُلَّ ولدك نحلته مثل هذا؟، فقال: لا، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فأرجعه)، وفي رواية: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (يا بشير ألك ولد سوى هذا؟، قال: نعم، قال: أَكُلَّهم وهَبْتَ له مثل هذا؟، قال: لا، قال: فلا تشهدني إذا، فإني لا أشهد على جور ). مشيرا إلى هناك الكثير من المواقف التي أرسى النبي ﷺ فيها قيم العدل والإنصاف ومنها قوله ﷺ: ” إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ (منه شيئا)، فإنما أقطع له قطعة من النار”.

وفي ختام الندوة أكد فضيلة الدكتور رمضان الصاوي، أن النبي ﷺ أرسى قواعد العدل والإنصاف التي بها تصلح المجتمعات ويسود الود بين أفراد المجتمع، فإذا ما طبقت هذه القواعد في مجتمعات اليوم أصبحت في أعلى درجات التحضر والرقي، لأن الحضارة لا يمكن أن تقوم إلا على العدل، وهو النموذج الذي نلاحظه من تاريخ مجتمع المدينة عندما هاجر إليه النبي ﷺ، بفضل التزامهم بالقواعد التي غرثها النبي ﷺ في مجتمع المدينة بين المهاجرين والانصار. 

جدير بالذكر أن هذه الأمسية تأتي في سياق سلسلة من الفعاليات التي ينظمها الجامع الأزهر الشريف احتفاء بذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ، بهدف ترسيخ أخلاق النبي الكريم في نفوس المسلمين، وتأكيدا على أن ميلاد النبي ﷺ ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو مناسبة لتجديد العهد بالاقتداء بسيرته ﷺ، ونشر القيم التي تدعو إلى الرحمة، والتسامح، والاعتدال.

شاركها.