حصلت إيطاليا على ترقية لتصنيفها الائتماني من وكالة “موديز ريتنغز” في خطوة تاريخية، بعد مرور أكثر من 23 عامًا، مما يعزز الثقة في الاقتصاد الإيطالي ويضع حدًا لفترة طويلة من المخاوف بشأن الاستقرار المالي للبلاد. يعتبر هذا التحسن بمثابة انتصار كبير لرئيسة الوزراء جورجا ميلوني، حيث ينهي حقبة من التدهور الائتماني كانت تهدد بإغراق إيطاليا في مستوى الديون عالية المخاطر.

أعلنت الوكالة في بيان رسمي يوم الجمعة عن رفع التصنيف الائتماني لإيطاليا إلى (Baa2) مع نظرة مستقبلية مستقرة. يأتي هذا القرار في أعقاب تحسن ملحوظ في الأوضاع المالية والسياسية للبلاد، ويزيل خطر الهبوط إلى مستوى “النفايات”.

تحسن التصنيف الائتماني لإيطاليا: انعكاس للاستقرار والاصلاحات

يعكس رفع التصنيف الائتماني، وفقًا لـ “موديز”، سجلًا متواصلًا من الاستقرار السياسي والسياسات المتسقة، الأمر الذي عزز فعالية الإصلاحات الاقتصادية والمالية والاستثمارات الجارية في إطار خطة التعافي والمرونة الوطنية. وكانت “موديز” قد تأخرت في الاعتراف بالتحولات الإيجابية في الاقتصاد الإيطالي مقارنة بوكالات التصنيف الأخرى.

في عام 2018، خفضت “موديز” تصنيف إيطاليا إلى (Baa3)، وهو الحد الأدنى للمستوى الاستثماري، خلال فترة حكم جوزيبي كونتي. وقد جاء هذا التخفيض بعد سلسلة من التخفيضات السابقة المرتبطة بأزمة الديون السيادية في منطقة اليورو. لاحقًا، وفي أغسطس 2022، اقترب تقييم الوكالة بشكل كبير من مستوى الديون عالية المخاطر، مع نظرة مستقبلية سلبية.

بعد تولي ميلوني رئاسة الحكومة، استمرت المخاوف بشأن خفض التصنيف الائتماني خلال عامها الأول في المنصب. لكن الوكالة غيرت مسارها في أواخر عام 2023، معلنة عن تقييم أكثر إيجابية. ومنذ ذلك الحين، حققت الحكومة تقدمًا ملموسًا في معالجة ثاني أكبر ديون عامة في منطقة اليورو، والعمل على خفض عجز الموازنة بما يتوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي.

التقدم نحو أهداف الاتحاد الأوروبي

تتوقع الحكومة الإيطالية تحقيق هدف خفض عجز الموازنة إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وهذا الإنجاز سيسمح لإيطاليا بالخروج من الإجراءات الرقابية الخاصة بالدول التي تواجه صعوبات مالية. وتشير تقديرات “موديز” إلى أن عبء الدين الحكومي المرتفع في إيطاليا سينخفض تدريجيًا بدءًا من عام 2027.

يضاف إلى ذلك، أن هذا التطور يأتي بالتوازي مع تحسن في نظرة المستثمرين تجاه إيطاليا، حيث انخفض الفارق بين عوائد السندات الإيطالية والألمانية لمدة 10 سنوات إلى أقل من 80 نقطة أساس، وهو أدنى مستوى له منذ تولي ميلوني السلطة قبل سنوات.

وقد أعرب وزير المالية الإيطالي، جيانكارلو جيورجيتي، عن ترحيبه بقرار “موديز”، واصفًا إياه بأنه دليل قاطع على نجاح الجهود المالية التي تبذلها الحكومة. وأضاف الوزير في بيان رسمي أن هذا القرار يمثل تأكيدًا على الثقة المتجددة في الحكومة الإيطالية وفي الاقتصاد الإيطالي بشكل عام.

بينما يمثل هذا التحسن دفعة قوية للاقتصاد الإيطالي، لا تزال هناك تحديات قائمة. يتبقى على إيطاليا خفض ديونها العامة التي لا تزال تتجاوز 130% من الناتج الاقتصادي، كما أن معدل النمو الاقتصادي لا يزال ضعيفًا، حيث يقدر بنحو 0.5% لهذا العام.

يبدو أن تحقيق المزيد من التحسن في الأوضاع المالية لإيطاليا سيصبح أكثر صعوبة في المستقبل. يجب على ميلوني وجيورجيتي تحقيق توازن دقيق بين السعي لتحقيق أهداف مالية متحفظة والحاجة إلى إرضاء الناخبين من خلال تخفيضات ضريبية محتملة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الوطنية في عام 2027. وسيكون من الضروري مراقبة تطورات هذه السياسات وتأثيرها على الاستقرار المالي للبلاد.

من المتوقع أن تواصل وكالات التصنيف الائتماني تقييم الأوضاع المالية لإيطاليا عن كثب خلال الأشهر والسنوات القادمة. ويعتبر الحفاظ على الاستقرار السياسي والمالي، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على الزخم الإيجابي وتحقيق المزيد من التحسن في التصنيف الائتماني لإيطاليا. الوضع المالي العام لأوروبا و التطورات السياسية داخل إيطاليا هما عوامل رئيسية ستحدد المسار المستقبلي للتقييمات الائتمانية.

شاركها.