أطلقت الحكومة الأسترالية خطة طموحة لحظر وصول المراهقين إلى منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك، مما أثار نقاشًا عالميًا حول تنظيم هذه المنصات وحماية الشباب. ويأتي هذا القرار في ظل تزايد المخاوف بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين، ويهدف إلى الحد من تعرضهم للمحتوى الضار والتنمر عبر الإنترنت. ومن المتوقع أن تواجه الشركات المخالفة غرامات باهظة تصل إلى 32 مليار دولار.

ويعتبر هذا الإجراء الأسترالي الأول من نوعه على مستوى الدول الديمقراطية، وقد دفع العديد من الحكومات حول العالم إلى إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بـمنصات التواصل الاجتماعي. وتشير التقارير إلى أن دولًا مثل الدنمارك والبرازيل وإندونيسيا تدرس حاليًا اتخاذ خطوات مماثلة، مع مراقبة دقيقة لتطورات الوضع في أستراليا.

خط سير لبقية دول العالم نحو تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي

أعربت كارولين ستيج أولسن، وزيرة الشؤون الرقمية في الدنمارك، عن إعجابها بالقانون الأسترالي الجديد، واصفة إياه بأنه “خطوة مهمة وأساسية حقًا”. ويعكس هذا التصريح النظرة العالمية المتزايدة إلى ضرورة تدخل الحكومات لتنظيم عمل هذه المنصات.

وتشير أبيجل تشين، من شركة “فلينت غلوبال” للاستشارات السياسية والتنظيمية، إلى أن سعي المزيد من الحكومات لتحديد سن الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى ظهور معايير عالمية لضمان صحة هذه المعلومات. وهذا يتطلب تعاونًا دوليًا وتبادل الخبرات.

ردود فعل الشركات التقنية

تباينت ردود فعل الشركات التقنية الكبرى على القرار الأسترالي. فقد أعلنت شركة “ميتا”، المالكة لفيسبوك وإنستغرام، عن نيتها الامتثال للقانون، معبرة عن قناعتها بوجود حلول أفضل لحماية المستخدمين الشباب.

في المقابل، أعلنت “تيك توك” أيضًا عن التزامها بالقانون، لكنها أكدت أن حظر المستخدمين بناءً على العمر ليس بالضرورة الحل الأمثل. بينما رفضت شركات مثل “غوغل” و”يوتيوب” و”سناب” تصنيفها كمنصات تواصل اجتماعي، معتبرة أن ذلك يعكس فهمًا خاطئًا لطبيعة عملها.

الأسباب الكامنة وراء هذا التوجه

يعود السبب الرئيسي وراء هذا التوجه العالمي إلى تزايد الأدلة التي تشير إلى الآثار السلبية لـوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين. وتشمل هذه الآثار التعرض للتنمر الإلكتروني، والمحتوى غير اللائق، وتحديات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب.

وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب الذين يتعرضون للتنمر عبر الإنترنت، مما زاد الضغوط على الحكومات لاتخاذ إجراءات عاجلة. بالإضافة إلى ذلك، أثارت بعض التحديات المنتشرة على منصات مثل “تيك توك” مخاوف جدية بشأن سلامة الأطفال.

ويرى خبراء في مجال الصحة النفسية أن الإفراط في استخدام منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى إدمان الإنترنت، واضطرابات النوم، وتراجع الأداء الدراسي. كما أن المقارنة المستمرة بالآخرين على هذه المنصات يمكن أن تؤثر سلبًا على تقدير الذات والثقة بالنفس.

التحديات المحتملة في التطبيق

على الرغم من الإيجابية التي تحيط بهذا التوجه، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تواجه عملية التطبيق. أحد هذه التحديات هو صعوبة التحقق من أعمار المستخدمين بشكل دقيق، حيث يمكن بسهولة تزوير المعلومات الشخصية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يجد المراهقون طرقًا للتحايل على القيود المفروضة، مثل استخدام حسابات وهمية أو شبكات افتراضية خاصة. وهذا يتطلب تطوير تقنيات متقدمة للكشف عن هذه الممارسات ومنعها.

كما أن هناك جدلاً حول ما إذا كان حظر الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي هو الحل الأمثل، حيث يرى البعض أن التركيز يجب أن يكون على تثقيف الأطفال والمراهقين حول كيفية استخدام هذه المنصات بشكل آمن ومسؤول. ويعتبر تعزيز الوعي بمخاطر الإنترنت وتنمية مهارات التفكير النقدي من الأمور الضرورية لحماية الشباب.

من المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من المناقشات والتشاورات بين الحكومات والشركات التقنية والخبراء في مجال الصحة النفسية، بهدف التوصل إلى حلول فعالة ومستدامة لتنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي وحماية المستخدمين الشباب. وستكون أستراليا في مركز الاهتمام، حيث ستراقب الدول الأخرى عن كثب كيفية تطبيق القانون الجديد وما هي النتائج المترتبة عليه.

شاركها.