بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في شمال دارفور أواخر الشهر الماضي، شهدت المدينة موجة غير مسبوقة من العنف والانتهاكات التي أثارت قلقاً دولياً واسعاً. وقد تدفق عدد كبير من الشهادات من الناجين تؤكد وقوع فظائع وجرائم حرب، مما حول الفاشر إلى محور اهتمام دولي وأممي، واختبار حقيقي لمسؤولية المجتمع الدولي تجاه السودان الذي يعاني من صراع عنيف منذ أبريل/نيسان 2023.

يأتي هذا التصعيد بعد حصار استمر لأكثر من عام ونصف على المدينة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. وقد وثقت الأمم المتحدة وقوع مجازر وعنف جنسي، ونهب واسع النطاق، واستهداف ممنهج للمدنيين، بالإضافة إلى تعطيل وصول المساعدات الإنسانية.

1- كيف دفعت الفاشر الملف السوداني إلى صدارة الاهتمام الدولي؟

برزت الفاشر كآخر معقل رئيسي للمدنيين في دارفور خارج سيطرة الدعم السريع، لذلك شكل سقوطها نقطة تحول في الصراع. لم يكن الأمر يتعلق بالسيطرة العسكرية بحد ذاتها، بل بالطريقة المروعة التي تم بها هذا السقوط وما تلاه من انتهاكات.

تواترت التقارير حول الإعدامات الميدانية، والعنف الجنسي الممنهج، وسرقة الممتلكات، مما أعاد إلى الأذهان العنف العرقي الذي شهدته دارفور قبل عقدين من الزمن. لكن هذه المرة، يرافق العنف توثيق أكبر وسرعة في نشر المعلومات بفضل وسائل التواصل الاجتماعي.

2- ما طبيعة الانتهاكات في الفاشر وعلى طرق النزوح؟

وصف وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، الوضع في الفاشر بأنه “فظائع جماعية”. تشمل هذه الفظائع الإعدام خارج نطاق القانون، والاحتجاز التعسفي، والاغتصاب والعنف الجنسي على نطاق واسع.

داخل الفاشر، أفاد السكان بالدخول القسري إلى الأحياء السكنية، وإطلاق النار بشكل عشوائي، وحرق المنازل والمتاجر. كما تعرضت المرافق الصحية، بما في ذلك المستشفى السعودي، لهجمات مباشرة مما أدى إلى تدهور كبير في الخدمات الطبية.

أما على طرق النزوح، فقد واجه المدنيون ظروفاً مروعة، بما في ذلك نقص الغذاء والماء، وهجمات من قبل عناصر الدعم السريع، واختطاف المدنيين. وقد وثقت شبكة أطباء السودان حالات اغتصاب لفتيات نازحات في طريقهن إلى مخيم طويلة.

3- ما هي أبرز الانتهاكات الموثقة؟

تشير التقارير إلى أن المستشفى السعودي في الفاشر تعرض لمجزرة مروعة في نهاية نوفمبر، حيث قُتل ما لا يقل عن 460 شخصًا من المرضى والمرافقين، ودُفنوا في مقبرة جماعية. هذا الهجوم يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.

بالإضافة إلى ذلك، وثقت الأمم المتحدة هجمات على أماكن العبادة التي تؤوي النازحين، مما تسبب في مقتل وإصابة العشرات. كما أفادت تقارير عن استهداف ممنهج لجماعات عرقية معينة، مما يثير مخاوف جدية من وقوع إبادة جماعية.

4- هل لعبت وسائل التواصل دورًا في لفت انتباه العالم إلى وضع الفاشر؟

لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً في فضح الانتهاكات في الفاشر. قام النازحون والناشطون المحليون بنشر صور ومقاطع فيديو توثق العنف والدمار، مما أثار غضباً دولياً.

ساعد هذا التوثيق اللحظي المنظمات الحقوقية في التحقق من المعلومات وإعداد تقارير مفصلة حول الانتهاكات. كما ساهم في زيادة الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات لحماية المدنيين.

5- هل حملت الانتهاكات أبعادًا عرقية؟

أشار العديد من المراقبين إلى أن الانتهاكات في الفاشر تحمل أبعاداً عرقية، وأنها جزء من نمط أوسع من العنف العرقي في دارفور. وتتهم قوات الدعم السريع باستهداف مجموعات عرقية معينة، مثل المساليت، في الجنينة وأجزاء أخرى من الإقليم.

وقد حذر الاتحاد الأفريقي من أن استهداف المدنيين في الفاشر يتجاوز المواجهة العسكرية ويوحي بنية إبادة جماعية. هذا التصريح أعطى أزمة الفاشر بعدًا إقليميًا جديدًا.

6- كيف انعكس الاهتمام الأممي على مواقف الدول؟

استجابت العديد من الدول الغربية للوضع المتدهور في الفاشر من خلال إصدار بيانات مشتركة تدين الانتهاكات وتطالب بوقف فوري للعنف. وقد جددت هذه الدول دعمها للجهود الأممية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للصراع في السودان.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت بعض الدول في النظر في فرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات، وتوفير المزيد من المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين. من بين الدول التي أصدرت بيانات قوية، المملكة المتحدة وألمانيا وهولندا وكندا.

ومع ذلك، لا يزال الوضع الإنساني والأمني في الفاشر متدهوراً للغاية. من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة في جهودها الدبلوماسية لفرض وقف إطلاق نار وحماية المدنيين. يجب على المجتمع الدولي الاستعداد لتقديم دعم إنساني كبير للمدنيين في الفاشر والمناطق المحيطة بها. ما سيحدث في الأيام والأسابيع القادمة سيحدد بشكل كبير مستقبل السودان و مصير المدنيين في دارفور.

شاركها.