في تطور لافت يعكس استمرار التوتر في المنطقة، أصدرت الإدارة الأمريكية توجيهات جديدة لقواتها العسكرية تركز بشكل أساسي على زيادة الضغط على فنزويلا. وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة “الضغط الأقصى” التي تتبعها واشنطن بهدف إحداث تغيير سياسي في البلاد، مع التركيز على العزل الاقتصادي والعسكري غير المباشر. وتعتبر فنزويلا محوراً رئيسياً في هذه الاستراتيجية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض نظام الرئيس نيكولاس مادورو.
أكد مسؤول أمريكي رفيع المستوى أن التوجيهات الجديدة لا تستبعد بشكل قاطع الخيارات العسكرية، لكنها تعطي الأولوية القصوى للضغط الاقتصادي والعسكري غير المباشر في المرحلة الحالية. ويشمل ذلك تكثيف العمليات البحرية في منطقة البحر الكاريبي، والتي بررتها واشنطن بمكافحة تهريب المخدرات. هذا التصعيد يثير مخاوف إقليمية ودولية بشأن احتمال تدخل عسكري مباشر أو مواجهة بين القوى المتنافسة.
تاريخ الضغط على فنزويلا وتصعيد التوترات
تعود جذور الأزمة في فنزويلا إلى سنوات، وتفاقمت بشكل كبير في عام 2019 عندما اعترفت الولايات المتحدة بعدة دول بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيساً مؤقتاً شرعياً للبلاد. وقد أدى هذا الاعتراف إلى فرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على فنزويلا، استهدفت بشكل خاص قطاع النفط، وهو شريان الحياة للاقتصاد الفنزويلي.
تهدف العقوبات إلى تجفيف مصادر تمويل حكومة مادورو، لكنها أدت أيضاً إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، حيث يعاني الفنزويليون من نقص حاد في الغذاء والدواء والخدمات الأساسية. وعلى الرغم من الضغوط الهائلة، تمكن مادورو من البقاء في السلطة بدعم من حلفاء دوليين مثل روسيا والصين وكوبا، بالإضافة إلى دعم المؤسسة العسكرية الفنزويلية.
العمليات العسكرية وتبريراتها
تأتي التوجيهات الجديدة بتكثيف العمليات البحرية الأمريكية في منطقة الكاريبي في أعقاب إعلان إدارة ترامب عن زيادة كبيرة في الانتشار العسكري في المنطقة. وبررت واشنطن هذه الخطوة بأنها جزء من جهود مكافحة تهريب المخدرات، لكن العديد من المراقبين يرون أنها تهدف إلى زيادة الضغط على فنزويلا.
وقد اتهمت وزارة العدل الأمريكية الرئيس مادورو ومسؤولين آخرين بـ “الإرهاب المرتبط بالمخدرات”، مما وفر أساساً قانونياً وسياسياً لزيادة الوجود العسكري الأمريكي بالقرب من السواحل الفنزويلية. هذا الاتهام أثار جدلاً واسعاً، حيث اعتبره البعض محاولة لتبرير تدخل أمريكي في الشؤون الداخلية لفنزويلا.
تأثيرات الضغط المتزايد على فنزويلا والمنطقة
من المتوقع أن يؤدي هذا التصعيد في الضغط على فنزويلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد. فالحصار البحري، حتى وإن لم يستهدف السلع الأساسية بشكل مباشر، يمكن أن يعيق وصولها إلى فنزويلا، مما يزيد من معاناة الشعب.
بالإضافة إلى ذلك، يهدف هذا التحرك إلى إرسال رسالة قوية إلى الجيش الفنزويلي، تحثه على التخلي عن دعم مادورو. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجيش الفنزويلي سيستجيب لهذه الرسالة.
على الصعيد الدولي، يرفع هذا التصعيد منسوب التوتر في منطقة الكاريبي ويثير قلق القوى الإقليمية والدولية. فهناك مخاوف من أن هذه الخطوة قد تمهد لتدخل عسكري مباشر، أو أنها قد تؤدي إلى مواجهة غير مباشرة بين الولايات المتحدة وحلفاء مادورو، مثل روسيا والصين. وتشكل هذه التوترات تحدياً إضافياً للاستقرار الإقليمي. تعتبر الأزمة في فنزويلا من القضايا الهامة في السياسة الخارجية الأمريكية.
ردود الفعل الدولية المحتملة
من المرجح أن تواجه هذه التوجيهات الجديدة انتقادات من قبل روسيا والصين ودول أخرى تعتبرها تدخلاً في الشؤون الداخلية لفنزويلا. قد تسعى هذه الدول إلى تقديم الدعم السياسي والاقتصادي لمادورو، أو قد تحاول التوسط بين الأطراف المتنازعة.
من ناحية أخرى، قد ترحب بعض الدول في المنطقة، وخاصة تلك التي تعارض نظام مادورو، بهذه الخطوة. ومع ذلك، من المرجح أن تحث هذه الدول الولايات المتحدة على توخي الحذر وتجنب أي تصعيد قد يؤدي إلى تدخل عسكري مباشر. تعتبر قضية النفط الفنزويلي من العوامل الرئيسية في هذه الأزمة.
الوضع في فنزويلا معقد للغاية، وتتداخل فيه مصالح العديد من القوى الإقليمية والدولية. من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في ممارسة الضغط على مادورو، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا الضغط سيؤدي إلى تغيير سياسي في البلاد.
في الأيام والأسابيع القادمة، يجب مراقبة ردود الفعل من قبل الحكومة الفنزويلية وحلفائها، وكذلك تطورات الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد. من المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة قرارات إضافية بشأن فنزويلا بناءً على هذه التطورات، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة للتصعيد العسكري. كما يجب متابعة أي مبادرات دبلوماسية تهدف إلى حل الأزمة بشكل سلمي.






