18/8/2025–|آخر تحديث: 20:55 (توقيت مكة)
سواء تعلق الأمر بما يُسمى “مراكز تدريب” مدفوعة لتحضير طالبي اللجوء قبل المقابلة مع المكتب الفرنسي المختص، أو نصائح يقدّمها شبه قانونيين لاستخراج تصريح إقامة أو تجديده؛ تزدهر في فرنسا ممارسات الاحتيال التي تستهدف الأجانب الضائعين في متاهة الإجراءات الإدارية لتسوية أوضاعهم، بلا رقيب أو حسيب.
في حرارة الصيف، امتد طابور طويل ضم أشخاصا قادمين من الجزائر والكاميرون والسلفادور أمام “حافلة التضامن” التي توفرها نقابة المحامين في باريس، في الدائرة الـ18 ذات الطابع الشعبي. في الداخل، كان 4 محامين يقدّمون الاستشارات المجانية للمنتظرين.
قال أحمد -وهو تونسي معرفته بالفرنسية ضعيفة- إنه جاء على أمل الحصول على معلومات تُمكّنه من تسوية وضعه بدل أن يظل أجيرا في السوق السوداء. كان يمسك بيديه الخشنتين كشوف رواتبه دليلا على سنوات من العمل في قطاع البناء.
بناء على نصيحة إحدى الجمعيات، توجه الرجل الخمسيني لطلب الاستشارة بعد أن تعرض للاحتيال على يد شخص قدّم نفسه على أنه “خبير قانوني” ابتزه وتقاضى منه 700 يورو (نحو 817 دولارا) من دون أن يوضّح له إن كان مؤهلا لتسوية أوضاعه، وهو أمر لا يبدو أنه ممكن في حالته.
يقول أحمد لوكالة الصحافة الفرنسية “في كل مرة كنت أراجعه، كان يطلب مني إحضار مستند جديد ويأخذ 90 يوروا (105 دولارات)”. ولم يجرؤ العامل على الاعتراض خوفا من ترحيله.
لم تعد مثل هذه الحالات نادرة، وفق جمعية “أنتاناك” التي تساعد من يواجهون صعوبات في التعامل مع التكنولوجيا وتقديم الطلبات. وتقول مؤسستها إيزابيل كارير إن مزيدا من الاشخاص يقصدونها نظرا “لتعقيد الإجراءات”، وكذلك بسبب أخطاء يرتكبها “محامون عديمو الضمير أو مبتدئون وغير ملمين بقانون الهجرة”، أو جراء مكاتب خدمات تعتمد أساليب “غير نزيهة” تستغل معاناة المهاجرين.
بطاقة غامضة
أدّى الانتقال من تقديم المستندات الورقية إلى الإجراءات الرقمية، مع الارتفاع الكبير في أعداد الطعون خلال السنوات الخمس الماضية وتشديد معايير تسوية الأوضاع، إلى خلق أرضية خصبة لانتشار أساليب الاحتيال.
فقبل عام، ظهرت إعلانات في قطارات المترو وعلى لوحات الشوارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي تروّج لمكتب يعرض مساعدة المهاجرين غير القانونيين لاستكمال “الإجراءات الفرنسية”، ولم يطل الأمر قبل أن يقع كثر ضحية لمثل هذه الإعلانات.
تقول ساندرا موران -وهي مسؤولة نقابية في ضاحية باريس الشمالية- إن “الحصول على موعد في الإدارة المختصة عبر الإجراء المبسّط مجاني، لكن مع هذه الجهة يكلف الأمر مئات اليوروهات”، مشيرة إلى حالة رجل دفع ألفي يورو مقابل ذلك.
على منصة تيك توك، تعرض جهة أخرى يتابعها أكثر من 23 ألف شخص نصائح من “المدرب هيرفي ك” الذي يعد بإصدار بطاقة غامضة تتيح للمهاجرين غير النظاميين “التنقل بحرية من دون الخوف من الترحيل”.

استسلام للقدر
من يتصل بهذه الجهة هاتفيا يُعرض عليه مباشرة اشتراك بقيمة 365 يوروا مقابل “المساعدة على إتمام الإجراءات”، مع تنبيه المتصل أن السعر سيرتفع في اليوم التالي إلى 495 يوروا، لتشجيعه على الدفع فورا.
وحتى إن لم يكن طالب الخدمة مؤهلا لتسوية وضعه عبر العمل، فإنه يُشجّع على دفع الاشتراك لإعداد ملف لجوء.
ضمن مجموعة على “واتساب” تضم مئات المهتمين بهذه الخدمات، تُعرض أيضا “دورات تدريبية” للعمل كمربيات أو مساعدات منزليات “حتى من دون تصريح إقامة”، مقابل 800 إلى 1200 يورو. وبمبلغ 1299 يوروا، يمكن الانضمام إلى ما يسمّى “أكاديمية اللجوء” (Asile Academy).
وتشمل الكلفة “كتابة وتنقيح السيرة الشخصية” التي يُطلب من المتقدم صياغتها لشرح وضعه وظروفه. وتُعد هذه السيرة وثيقة أساسية يعتمد عليها موظفو الدولة، المتمرّسون في كشف التصريحات الكاذبة، عند البت في منح صفة اللاجئ.
وتمتلئ مجموعة النقاش -التي تضم نحو 600 عضو- بصور إيصالات التحويلات المصرفية، في حين يتم إسكات الأسئلة القليلة عن الأسعار بلا مجاملة بالرد عليها بالقول “اختر ما يناسبك.. وتجنّب إغراق المجموعة بالأسئلة”.
وتوضح موران أن الضحايا الذين “غالبا ما يشعرون بالخجل” من وقوعهم في حبال المخادعين بعد أن تعرضوا سابقا للنصب والاحتيال خلال رحلتهم، “يتعاملون مع الأمر كأنه قدرهم نوعا ما، وكأنهم يستحقون ما حدث لهم”، مشيرة إلى أنهم يشعرون بأنهم في موقع “ضعيف جدا”.