أكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون الجوار والتوسع، أولينا شويكا، أن أوروبا تسعى إلى لعب دور رئيسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وليس مجرد تقديم الدعم المالي. جاء ذلك في حوار حصري مع قناة يورونيوز، حيث شددت على أهمية الشراكة الحقيقية مع دول جنوب المتوسط لتعزيز التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة، وهو ما يصب في مصلحة استقرار المنطقة والحد من الهجرة.
وأشارت شويكا إلى أن المبادرة الجديدة التي قدمها الاتحاد الأوروبي تهدف إلى تحقيق ذلك، مع الاعتراف بوجود اهتمامات لدول أخرى مثل الصين وروسيا في المنطقة. لكنها أكدت أن الاتحاد الأوروبي يطمح إلى أن يكون “لاعبًا” فاعلًا وليس مجرد “دافع” للمساعدات، خاصة وأن الاتحاد هو أكبر مانح مالي لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط.
شراكة الاتحاد الأوروبي مع دول جنوب المتوسط: رؤية جديدة
تأتي تصريحات شويكا في وقت يواجه فيه الاتحاد الأوروبي انتقادات بشأن فعالية سياساته السابقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. يرى بعض المراقبين أن هذه السياسات لم تحقق النتائج المرجوة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأنها لم تعالج بشكل كافٍ الأسباب الجذرية لظاهرة الهجرة.
وشددت شويكا على أن هذه المرة، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى بناء شراكة حقيقية، من خلال التشاور مع مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومات ومراكز الفكر والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني. يهدف هذا النهج الشامل إلى ضمان أن تكون المبادرة الجديدة أكثر استجابة لاحتياجات وتطلعات دول المنطقة.
تنمية اقتصادية وفرص عمل
يركز محور أساسي من مبادرة الاتحاد الأوروبي على دعم التنمية الاقتصادية في دول جنوب المتوسط، وتوفير فرص عمل جديدة. وتعتقد شويكا أن خلق فرص عمل هو وسيلة فعالة لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، من خلال توفير بدائل اقتصادية للشباب في هذه البلدان.
وبينت أن الهدف ليس تشجيع هجرة الأدمغة، بل تحفيز “دورة الأدمغة” من خلال إتاحة الفرص للكفاءات والخبرات للعودة والمساهمة في تطوير بلدانها الأصلية. وتشير إلى أن توفير الدعم اللازم لقطاعات معينة يمكن أن يساعد في خلق بيئة جاذبة للاستثمار وتوفير فرص العمل.
التعاون في مجال الطاقة
أردفت شويكا أن مجال الطاقة يمثل فرصة أخرى لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط. وأكدت أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى المساهمة في “إزالة الكربون” من المنطقة، من خلال تبني معايير مشتركة للطاقة النظيفة والمتجددة.
في المقابل، حذرت من أن عدم وجود معايير مماثلة في جنوب البحر الأبيض المتوسط قد يؤدي إلى تلوث البحر وتعريض البيئة البحرية للخطر. لذا، ترى أن العمل المشترك هو السبيل لتحقيق الفوز للجميع، من خلال خلق فرص عمل وتنمية اقتصادات المنطقة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
مقعد في مجلس غزة للسلام التابع لترامب
على صعيد آخر، علقت شويكا على الجهود الجارية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم إعادة إعمار قطاع غزة. وأعلنت أن الاتحاد الأوروبي يسعى للحصول على مقعد في “مجلس السلام” الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كجزء من خطته للسلام في المنطقة، على الرغم من الجدل الذي يثيره هذا المجلس.
وأوضحت شويكا، المسؤولة عن دعم الاتحاد الأوروبي للأراضي الفلسطينية، أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر مانح مالي وأكثر الأطراف فاعلية في المنطقة، نظرًا لقربه الجغرافي من الأراضي الفلسطينية. لذا، تعتبر أن الاتحاد الأوروبي يستحق أن يكون له تمثيل في هذا المجلس.
فيما يتعلق بتلقي دعوة رسمية من الرئيس ترامب للانضمام إلى المجلس، أجابت شويكا بأن الأمر “لا يزال قيد الدراسة”. ومن المتوقع مناقشة هذه القضية خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل يوم الخميس الموافق 20 نوفمبر.
في نفس اليوم، ستترأس شويكا، بالاشتراك مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، مجموعة مانحي فلسطين، في إطار الجهود المبذولة للانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب في غزة. ومن المتوقع أن يحضر هذا الاجتماع ممثلون عن 60 دولة ومنظمة دولية من أوروبا والشرق الأوسط.
وأشارت شويكا إلى أن المجموعة ستركز على سبل تمكين السلطة الفلسطينية، التي تتولى إدارة أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ويأتي ذلك في ظل تصاعد المخاوف بشأن الوضع المالي هش في الأراضي الفلسطينية، نتيجة لسياسة إسرائيل في حجب الضرائب المستحقة للسلطة، وهي ممارسة وصفتها خبراء الأمم المتحدة بـ “الخنق المالي”.
واختتمت شويكا بالإشارة إلى ضرورة قيام إسرائيل بالإفراج عن الضرائب المستحقة للشعب الفلسطيني. في الختام، يبقى مستقبل هذه المبادرة معلقًا على التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وعلى مدى استعداد جميع الأطراف المعنية للتعاون والعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
من المتوقع أن تنتهي المفوضية الأوروبية من صياغة تفاصيل الخطة التشغيلية لمبادرة دعم دول جنوب المتوسط بحلول نهاية العام الحالي. ومن الأمور التي يجب متابعتها، ردود فعل دول المنطقة على المبادرة، وموقف الكونجرس الأمريكي بشأن مشاركة الاتحاد الأوروبي في مجلس غزة للسلام.






