في مدينةٍ عرفها التاريخ بالصمود والبطولة، وتتنفس شوارعها عبق البحر ورائحة السفن العائدة من رحلات بعيدة، يطل معرض السويس الثالث للكتاب ليعيد للأدب والثقافة حضورًا بهيًا على ضفاف القناة هنا، حيث تمتزج ذاكرة المكان بآمال الحاضر، يصبح الكتاب جسرًا يربط بين الأجيال، ومنصة تتلاقى عندها الحكايات والتجارب.

تنظم الهيئة المصرية العامة للكتاب فعاليات المعرض برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، واللواء طارق حامد الشاذلي محافظ السويس، وافتتحه الدكتور خالد أبو الليل نائب رئيس الهيئة واللواء أحمد علاء رئيس حي السويس، على ممشى أهل السويس الممتد حتى التاسع والعشرين من أغسطس الجاري، ليكون الممشى كأنه رصيف طويل للثقافة، تتوقف عنده الكتب كما تتوقف السفن في الميناء.

المعرض لا يكتفي بعرض الكتب الجديدة من دور النشر المختلفة وهيئة الكتاب، بل يفتح أبوابه على مصراعيها للجمهور من مختلف الأعمار، ففي الأجنحة تتجاور الأعمال الأدبية مع الكتب العلمية والفكرية والتاريخية، فيما تبرز مبادرات الهيئة مثل “كتاب لكل مواطن” لتمنح القراء فرصة اقتناء المعرفة بأسعار رمزية، الإقبال الجماهيري بدا لافتًا منذ اليوم الأول، خاصة من الشباب والطلاب والأسر، ما يعكس تعطش أبناء السويس للثقافة الحية.

البرنامج الثقافي المصاحب يشكل بدوره قلب المعرض النابض، حيث الأمسيات الشعرية والندوات وحفلات توقيع الكتب، ومن أبرز فعاليات هذا العام الاحتفاء بالشاعر إبراهيم أحمد أبو سمرة بمناسبة فوزه بجائزة الدولة التشجيعية في شعر العامية لعام 2025، بالإضافة إلى جلسات مفتوحة مع كتّاب شباب يقدّمون تجاربهم الجديدة ويقتربون من جمهورهم لأول مرة.

ولا يقتصر المعرض على الكبار فقط، بل يخصص للأطفال فضاءات خاصة تضم ورش الحكي والرسم والتلوين والأنشطة التفاعلية، لتصبح الثقافة مغامرة ممتعة تزرع فيهم حب القراءة منذ الصغر، أما الفن، فله حضوره من خلال عروض فرق الفنون الشعبية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، التي تضفي على ليالي السويس بهجة خاصة.

في كلمته خلال الافتتاح، أكد الدكتور خالد أبو الليل أن هذا المعرض يمثل خطوة في طريق العدالة الثقافية، حيث تصل الكتب والفعاليات إلى المحافظات كافة، فلا تبقى الثقافة حبيسة العاصمة، بل تنتشر لتضيء العقول وتثري الوجدان.

ومع استمرار فعاليات المعرض حتى نهاية أغسطس، يبقى المشهد في السويس شاهدًا على أن الثقافة ليست مجرد حدث عابر، بل طقس من طقوس الحياة اليومية، وأن الكلمة، مثل البحر، لا تعرف حدودًا، بل تسافر بعيدًا لتصنع أثرها في النفوس والذاكرة.

شاركها.