تشهد فرنسا احتجاجات حادة من قبل المزارعين، حيث تصطدم هذه الاحتجاجات بإجراءات حكومية تتعلق بـمرض الجلد العقدي، وهو مرض فيروسي يصيب الأبقار. تتضمن هذه الإجراءات ذبحًا جماعيًا للقطعان المصابة، مما أثار غضبًا واسعًا وتساؤلات حول معايير الصحة البيطرية وتأثيرها على الاتفاقيات التجارية الدولية، وعلى رأسها اتفاقية ميركوسور المثيرة للجدل.

بدأت الاحتجاجات في مناطق مختلفة من فرنسا خلال الأسبوع الحالي، وتصاعدت حدتها مع استمرار تفشي المرض وتطبيق سياسات الذبح الوقائي. تتزامن هذه الأحداث مع نقاش حاد في البرلمان الأوروبي حول شرط “المعاملة بالمثل” في الاتفاقيات التجارية، والذي يثير مخاوف بشأن مستقبل اتفاقية ميركوسور، خاصة فيما يتعلق باستيراد اللحوم من دول أمريكا الجنوبية.

مرض الجلد العقدي وتداعياته على الزراعة الفرنسية

مرض الجلد العقدي ليس جديدًا على أوروبا، ولكن تفشيه الحالي في فرنسا يمثل تحديًا كبيرًا، حسبما أفاد خبراء في وزارة الزراعة الفرنسية. ينتشر المرض عبر الحشرات الناقلة، ويسبب أعراضًا جلدية مؤلمة للأبقار، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الحليب واللحوم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي المرض إلى مشاكل في الصحة العامة، على الرغم من أن انتقال العدوى إلى البشر نادر الحدوث.

إجراءات الاحتواء والجدل الدائر حولها

استجابت الحكومة الفرنسية للتفشي من خلال تطبيق إجراءات احتواء صارمة، بما في ذلك تحديد مناطق موبوءة، وتقييد حركة الأبقار، وتطبيق سياسة الذبح الوقائي للقطعان المصابة. يرى المزارعون أن هذه الإجراءات متطرفة وتضر بصناعة تربية الأبقار بشكل كبير، مطالبين بتعويضات عادلة وتدابير وقائية أكثر فعالية.

ويركز غضب المزارعين أيضًا على التوقيت، حيث يتزامن تفشي المرض مع المفاوضات الجارية بشأن اتفاقية ميركوسور للتجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية (الأرجنتين والبرازيل والأوروغواي وباراغواي). يعبر المزارعون عن قلقهم من أن هذه الاتفاقية ستسمح باستيراد لحوم رخيصة من دول أمريكا الجنوبية لا تلتزم بنفس المعايير البيطرية والصحية التي تتبعها أوروبا.

وفقًا لتقارير من النقابات الزراعية الفرنسية، يخشى المزارعون من أن يتم التضحية بجودة الإنتاج الأوروبي من أجل إتمام اتفاقية تجارية لا تخدم مصالحهم. ويرون أن هناك “معايير مزدوجة” في تطبيق القواعد الصحية، حيث يتم إجبار المزارعين الأوروبيين على الالتزام بمعايير صارمة، بينما يتم التغاضي عن المخالفات في دول أمريكا الجنوبية.

المفوضية الأوروبية تؤكد على أهمية ضمان سلامة الأغذية ومعايير الصحة العامة، وتشير إلى أن اتفاقية ميركوسور تتضمن بنودًا تتعلق بالصحة البيطرية وسلامة الأغذية. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه البنود غير كافية لحماية المزارعين الأوروبيين من المنافسة غير العادلة.

الأسبوع الحالي يشهد تصويتًا حاسمًا في البرلمان الأوروبي على ما يسمى بـ “بند المعاملة بالمثل”. هذا البند، إذا تم إقراره، سيشترط على الدول التي ترغب في تصدير منتجاتها إلى أوروبا الالتزام بنفس المعايير التي يطبقها الاتحاد الأوروبي على منتجاته. وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا لدول أمريكا الجنوبية، التي قد ترفض الالتزام بالقوانين الأوروبية.

الخلاف يمتد ليشمل قضايا أخرى متعلقة بالاستدامة البيئية وحقوق العمال، ويظهر تعقيد العلاقة التجارية بين أوروبا وأمريكا الجنوبية. الضغط على النواب الأوروبيين كبير، حيث يسعى كل من المزارعين الأوروبيين والشركات التجارية لإقناعهم بتبني موقف يخدم مصالحهم. كما أن مسألة الأمن الغذائي أصبحت ذات أهمية متزايدة في ظل الظروف العالمية الحالية.

بالإضافة إلى ذلك، يراقب خبراء الاقتصاد الآثار المحتملة لرفض اتفاقية ميركوسور على العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية، وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام. ويرى البعض أن إتمام الاتفاقية سيوفر فرصًا جديدة للنمو الاقتصادي والتجارة، بينما يحذر آخرون من أنها ستؤدي إلى تفاقم المشاكل البيئية والاجتماعية.

في الأيام المقبلة، من المتوقع أن تشهد فرنسا مزيدًا من الاحتجاجات إذا لم يتم التوصل إلى حلول ترضي المزارعين. وسيكون تصويت البرلمان الأوروبي على بند المعاملة بالمثل حاسمًا في تحديد مستقبل اتفاقية ميركوسور، وبالتالي مسار العلاقات التجارية بين أوروبا وأمريكا الجنوبية. تبقى التحديات قائمة، ولا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر هذه التطورات على صناعة تربية الأبقار في فرنسا وأوروبا بشكل عام.

شاركها.