تواجه جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة إسلامية سياسية ذات تاريخ طويل في المنطقة العربية، منعطفاً حاداً يهدد مستقبلها. فالخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الجماعة تتضاءل، وتشير التحليلات إلى سيناريوهين رئيسيين: إما الانكماش التكتيكي للحفاظ على وجودها، أو التآكل الداخلي الذي قد يؤدي إلى تفككها. هذا التطور يمثل لحظة فارقة في مسيرة الإخوان المسلمين التي امتدت لما يقرب من قرن.
السياق التاريخي لـ الإخوان المسلمين وتطور وضعهم الإقليمي
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، وسرعان ما انتشرت في أرجاء العالم العربي. اعتمدت الجماعة على نموذج تنظيمي فريد مبني على الولاء والانضباط، مما منحها القدرة على الصمود والتكيف مع مختلف الظروف السياسية. ومع ذلك، فقد واجهت الجماعة تحديات كبيرة، خاصة بعد أحداث 2013 في مصر، وما تبعها من تصنيفها كمنظمة إرهابية في عدة دول.
التصنيف كجماعة إرهابية وتداعياته
أدى تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية من قبل بعض الدول إلى تجميد أصولها وتقييد تحركاتها، وإلى حملات اعتقالات واسعة النطاق ضد قياداتها وأنصارها. وقد أثر هذا بشكل كبير على قدرتها على العمل السياسي والاجتماعي، مما أضعف نفوذها في المنطقة.
خيار الانكماش: استراتيجية البقاء بأقل الخسائر
الانكماش التكتيكي، كاستراتيجية، يعني تقليل الأنشطة العلنية والتركيز على تعزيز البنية التحتية السرية للجماعة. يهدف هذا النهج إلى حماية النواة الصلبة من الملاحقات الأمنية، والاحتفاظ بقوة كامنة يمكن استثمارها في المستقبل. يرى مراقبون أن هذا الأمر قد يتطلب من الجماعة التخلي عن المشاركة السياسية المباشرة، والتركيز بدلاً من ذلك على العمل الدعوي والاجتماعي الخفي.
التحديات المرتبطة بخيار الانكماش
على الرغم من أن الانكماش قد يوفر بعض الحماية على المدى القصير، إلا أنه يحمل أيضًا مخاطر كبيرة. قد يؤدي إلى فقدان التواصل مع القاعدة الشعبية، وتراجع الدعم المالي، وتزايد الانقسامات الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يُنظر إليه على أنه اعتراف بالهزيمة، مما يضر بمصداقية الجماعة.
خطر التآكل الداخلي: الانقسامات والصراعات على السلطة
يتجلى التآكل الداخلي في تصاعد الخلافات بين مختلف الفصائل داخل الجماعة. وقد برزت على السطح مؤخرًا صراعات بين ما يُعرف بـ “جبهة لندن” و”جبهة إسطنبول”، حول القيادة وصنع القرار والتوجهات الاستراتيجية. هذه الانقسامات تهدد بتقويض الوحدة التنظيمية و إضعاف قدرة الجماعة على مواجهة التحديات الخارجية.
تأثير الخلافات على القاعدة الجماهيرية
إن الانقسامات والصراعات الداخلية تؤدي إلى فقدان الثقة بين القواعد والقيادات، وعزوف الشباب عن الانضمام إلى الجماعة. وذلك لأنهم يرون فيها تنظيمًا غارقًا في صراعات الماضي، وغير قادر على تقديم رؤية واضحة للمستقبل. وهذا يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستدامة الإخوان المسلمين.
التغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على مستقبل الجماعة
تلعب التغيرات في البيئة الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في تحديد مصير الجماعة. فمع سعي دول المنطقة إلى تحقيق الاستقرار وتصفير المشاكل، وتراجع الدعم السياسي والاقتصادي من الدول التي كانت تعتبر ملاذًا آمنًا للإخوان، تواجه الجماعة ضغوطًا متزايدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات في السياسات الخارجية للدول الكبرى قد تؤثر أيضًا على وضع الجماعة. تعتبر قضية **الحركات الإسلامية** بشكل عام محل تدقيق إقليمي ودولي.
تأثير السياسات التركية الجديدة
على سبيل المثال، فإن التغيرات الأخيرة في السياسة التركية، والتي تشمل محاولات تطبيع العلاقات مع دول كانت تعتبر معارضة للإخوان، قد تؤدي إلى تقليص الدعم الذي كانت تتلقاه الجماعة من تركيا.
ختاماً، يظل مستقبل جماعة الإخوان المسلمين مجهولاً. بينما يمثل الانكماش خيارًا للبقاء على قيد الحياة، إلا أنه قد يؤدي إلى فقدان النفوذ والتهميش. أما التآكل الداخلي، فإنه يهدد بانهيار الجماعة بشكل كامل. في الأشهر القليلة القادمة، من المتوقع أن تشهد الجماعة محاولات لتقييم الوضع الحالي، واتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة. وسيكون من المهم مراقبة التطورات الداخلية والخارجية، وتأثيرها على مستقبل هذه الحركة الإسلامية المؤثرة في المنطقة. من المؤكد أن الوضع الجيوسياسي المتغير سيفرض على الجماعة إعادة تقييم دورها و مكانتها في العالم العربي.

