أكد خبراء ومحللون على أهمية تنظيم المحتوى الرقمي وتصنيف مقدمي المحتوى، وذلك في أعقاب تصريحات أدلى بها مسؤول بارز حول انتشار معلومات غير دقيقة ومخالفة للحقائق العلمية. يأتي هذا النقاش في سياق تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية على الرأي العام، وضرورة التصدي للمعلومات المضللة. وتتعلق القضية بشكل خاص بالمحتوى الذي يقدم تجارب شخصية على أنها بدائل علمية، مما قد يشكل خطرًا على الصحة العامة.
أُثيرت هذه القضية خلال برنامج “يا هلا” على قناة روتانا خليجية، حيث أشار الأنصاري إلى ضرورة وجود معايير واضحة لمقدمي المحتوى خاصةً في المجالات الحساسة كالصحة والعلوم. تزايد الاهتمام بهذا الموضوع في العديد من الدول العربية، مع تحركات حكومية وشعبية للحد من انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات غير الموثوقة عبر الإنترنت. وينعكس هذا الاهتمام في سعي حكومات المنطقة لتحديث قوانين الإعلام وتنظيم العمل الرقمي.
أهمية تنظيم المحتوى الرقمي وضبط مقدمي الخدمات
يشهد الفضاء الرقمي نموًا سريعًا وتوسعًا في نطاق المحتوى المتاح، مما يجعله بيئة خصبة لانتشار المعلومات المغلوطة. أصبح الوصول إلى جمهور واسع أسهل من أي وقت مضى، سواء للمحتوى الهادف أو للمعلومات المضللة. هذا التوسع يتطلب حوكمة ورقابة فعالة لضمان سلامة المعلومات وحماية المستهلك.
تأثير المحتوى غير الدقيق على المجتمع
المحتوى الذي يعتمد على تجارب شخصية بدلاً من الأدلة العلمية يمكن أن يؤدي إلى قرارات خاطئة، خاصة في مجال الصحة. قد يلجأ الأفراد إلى بدائل علاجية غير فعالة، ويهملون العلاجات الطبية المعتمدة، مما يعرض حياتهم للخطر. وتشير الدراسات إلى أن انتشار المعلومات الصحية الخاطئة يتزايد بشكل مقلق.
الحاجة إلى معايير واضحة لمقدمي المحتوى
يواجه الكثير من المستخدمين صعوبة في التمييز بين المصادر الموثوقة وغير الموثوقة للمعلومات. وهذا يستدعي ضرورة وجود معايير واضحة تحدد مؤهلات مقدمي المحتوى، خاصة في المجالات التي تتطلب خبرة ومعرفة متخصصة. ويتضمن ذلك الإفصاح عن المصادر، والتحقق من الحقائق، والالتزام بأخلاقيات المهنة.
بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ تنوع وجهات النظر في الفضاء الرقمي أمرًا إيجابيًا، لكن هذا التنوع يجب أن يكون مصحوبًا بمسؤولية تجاه المعلومات المقدمة. لا يمكن السماح بتحويل المنصات الرقمية إلى أدوات لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تضر بالمجتمع.
وقد بدأت بعض الدول العربية في اتخاذ خطوات عملية لتنظيم المحتوى الرقمي. على سبيل المثال، أطلقت وزارة الإعلام السعودية مبادرة تهدف إلى تعزيز الوعي الإعلامي ومكافحة الأخبار الكاذبة. كما تعمل الهيئات التنظيمية في دول أخرى على تطوير قوانين ولوائح جديدة لحماية المستهلكين من المحتوى المضلل.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن فرض قيود صارمة على المحتوى الرقمي قد يتعارض مع حرية التعبير. وهذا يتطلب إيجاد توازن دقيق بين حماية المجتمع وضمان الحق في الحصول على المعلومات. يجب أن تكون أي إجراءات تنظيمية متوافقة مع الدستور والقوانين المحلية، وأن تحترم الحقوق الأساسية للأفراد.
وتشمل التحديات الأخرى التي تواجه تنظيم المحتوى الرقمي سرعة التطور التكنولوجي، وصعوبة تحديد هوية ناشري المحتوى المضلل، وتجاوز الرقابة من خلال استخدام تقنيات التشفير والشبكات الخاصة الافتراضية. يتطلب التغلب على هذه التحديات تعاونًا إقليميًا ودوليًا، وتبادل الخبرات والمعلومات.
تعتبر منصات التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من المشكلة والحل. يجب على هذه المنصات أن تتحمل مسؤولية أكبر في مراقبة المحتوى الذي يتم نشره على منصاتها، واتخاذ إجراءات سريعة ضد الحسابات التي تنشر معلومات مضللة. كما يجب عليها أن تعمل على تعزيز الوعي الإعلامي لدى المستخدمين، وتزويدهم بالأدوات اللازمة للتحقق من الحقائق.
يتزايد الحديث عن أهمية الإعلام الرقمي والمسؤولية الاجتماعية لمقدمي المحتوى. ويشمل ذلك التأكيد على ضرورة التحلي بالأخلاق المهنية، والالتزام بالشفافية، واحترام حقوق الملكية الفكرية. يجب أن يكون مقدمو المحتوى جزءًا من الحل، وأن يساهموا في بناء مجتمع رقمي أكثر وعيًا ومسؤولية.
الجهات الرقابية في المنطقة تعمل أيضًا على تطوير آليات للتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن المحتوى المخالف واتخاذ الإجراءات اللازمة. يعتبر هذا التعاون خطوة مهمة نحو تحقيق بيئة رقمية آمنة وموثوقة.
في الختام، من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من الجهود لتنظيم المحتوى الرقمي في الدول العربية. تعتمد فعالية هذه الجهود على قدرة الحكومات والهيئات التنظيمية ومنصات التواصل الاجتماعي على التكيف مع التطورات التكنولوجية، وإيجاد توازن دقيق بين حماية المجتمع وحرية التعبير. من المرجح أن يشهد الربع الأخير من العام الحالي إعلانات عن قوانين جديدة ولوائح تنفيذية تهدف إلى التصدي للمعلومات المضللة وحماية المستهلكين.





