في ظل ضغوط دولية متزايدة لإصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية تمهيدًا لعودتها إلى المشهد بعد الحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزة، رسم الرئيس محمود عباس ملامح مرحلة ما بعده من خلال إعلان دستوري جديد يحدّد آلية خلافته في حال شغور منصب رئاسة السلطة الفلسطينية.
وبحسب الإعلان، أوكل عباس إلى نائبه في رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية مهمة تولّي رئاسة السلطة لمدة 180 يومًا حال خلو المنصب، في خطوة تُعدّ سابقة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية منتصف التسعينيات.
ويأتي هذا التعديل ضمن ترتيبات داخلية تهدف إلى ضمان انتقال منظم للسلطة في مرحلة حساسة تشهد ضغوطًا لإعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية وتعزيز الشرعية السياسية.
مرسوم عباس المثير للجدل
تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية عقب توقيع اتفاق غزة–أريحا (اتفاق أوسلو الأول) عام 1993، لتتولى إدارة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأُجريت أول انتخابات رئاسية عام 1996 فاز بها ياسر عرفات، الذي توفي عام 2004، فتولى رئيس المجلس التشريعي روحي فتوح الرئاسة مؤقتًا حتى انتخاب محمود عباس في يناير 2005 بنسبة 62% من الأصوات. ورغم أن مدة الولاية الرئاسية حُددت بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، استمر عباس في الحكم بعد انقسام 2007 وتعطل الانتخابات العامة.
ينص القانون الأساسي الفلسطيني على أن رئيس المجلس التشريعي يتولى الرئاسة مؤقتًا لمدة 90 يومًا في حال شغور المنصب، إلا أن حلّ المجلس التشريعي عام 2018 بقرار من المحكمة الدستورية أدى إلى غياب هذه المرجعية.
وردًا على ذلك، أصدر عباس في نوفمبر 2024 إعلانًا نصّ على تولي رئيس المجلس الوطني مهام الرئاسة مؤقتًا، قبل أن يُدخل تعديلًا جديدًا يجعل نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، نائب رئيس دولة فلسطين، المسؤول المؤقت عن رئاسة السلطة في حال الشغور.
وبموجب هذا الإعلان الأخير، سيتولى حسين الشيخ، الذي يشغل حاليًا منصبي نائب رئيس اللجنة التنفيذية ونائب رئيس دولة فلسطين، إدارة شؤون الرئاسة مؤقتًا لحين إجراء انتخابات جديدة. ولم يوضح الإعلان ما إذا كان يحق للرئيس المؤقت الترشح للمنصب لاحقًا، بينما تبقى الانتخابات الرئاسية الفلسطينية مقررة عبر اقتراع مباشر في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، لتؤكد بذلك السلطة الفلسطينية انتقالًا دستوريًا جديدًا في واحدة من أكثر المراحل السياسية حساسية في تاريخها.
ومن جانبه، انتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس الدكتور أيمن الرقب، ما وصفه بـ”عقم النظام السياسي الفلسطيني” بعد حل المجلس التشريعي، وذلك تعقيبًا على إصدار الرئيس محمود عباس إعلانًا دستوريًا يقضي بأنه في حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وبغياب المجلس التشريعي، يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، نائب رئيس دولة فلسطين، مهام الرئاسة مؤقتًا.
وأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى االبلد”، أن الرئيس عباس أصدر هذا المرسوم “لتحصين من سيأتي بعده”، معتبرًا أن الهدف هو ضمان انتقال السلطة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، في حال خلو المنصب، موضحًا أن المرسوم “غيّر العرف السياسي” الذي كان يقضي بتولي رئيس المجلس التشريعي أو رئيس المجلس الوطني المنصب مؤقتًا.
وأضاف الرقب أن القرار يهدف إلى “تحصين الرئيس ومن سيخلفه” خشية أي انقسامات محتملة داخل النظام السياسي الفلسطيني، معتبرًا أن “تحكم رجل واحد في مفاصل القرار يمثل أزمة خطيرة تهدد مبدأ الفصل بين السلطات”، مؤكدًا أن حل المجلس التشريعي أضعف المؤسسات الرقابية وساهم في تركّز السلطة التنفيذية بيد الرئيس.






