في نهاية عام 2023، واجه تشانغ جيان تشونغ، الرئيس التنفيذي لشركة “مور ثريدز تكنولوجي” (Moore Threads Technology Co)، تحديًا كبيرًا بعد إدراج شركته في القائمة التجارية السوداء الأمريكية. ومع ذلك، شهدت الشركة الصينية الناشئة في مجال تصنيع الرقائق تحولًا ملحوظًا، حيث جمعت 8 مليارات يوان (1.1 مليار دولار) في طرح عام أولي ناجح ببورصة شنغهاي في مايو 2024.

قفز سهم “مور ثريدز” بنسبة 425% في أول أيام تداوله، مما أدى إلى تقييم سوقي يقارب 40 مليار دولار. هذا الارتفاع حول تشانغ وأحد المؤسسين المشاركين إلى مليارديرات جدد في قطاع الذكاء الاصطناعي الصيني، وذلك في ظل سعي البلاد نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا.

صعود مور ثريدز: استجابة للتحديات ودفعة نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الرقائق

يأتي هذا النجاح في أعقاب قيود أمريكية على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، مما أدى إلى ظهور شركات محلية تسعى لملء الفراغ. وقد تمكن تشانغ من حشد الدعم المالي اللازم لمواصلة تطوير الرقائق متعددة الاستخدامات، متحديًا بذلك العقبات التي فرضتها القيود التجارية.

الطرح العام الأولي ليس مجرد قصة نجاح لشركة واحدة، بل هو انعكاس لسياسة دعم حكومية تهدف إلى تعزيز الصناعة التكنولوجية المحلية. يشير هذا التوجه إلى تحول استراتيجي في الصين، حيث يتم التركيز بشكل أكبر على تطوير بدائل محلية للتكنولوجيات الأجنبية، خاصةً في المجالات الحساسة مثل أشباه الموصلات.

الحرب التكنولوجية وتأثيرها على التقييمات

يرى بعض المحللين أن التقييمات المرتفعة لشركات التكنولوجيا الصينية تعكس في المقام الأول حماسًا وطنيًا قويًا، أكثر من كونها مبنية على أسس تجارية صلبة. وأشار شين منغ، مدير بنك الاستثمار “شانسون آند كو”، إلى أن “التقييمات في سوق الأسهم المحلية انفصلت عن الواقع، وأصبحت مدفوعة بالسياسة، حيث تمثل هذه الشركات رموزًا سياسية قوية.”

تستثمر “مور ثريدز” في تطوير أجيال جديدة من الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي والرسومات، وهي مجالات حيوية للبقاء في منافسة متزايدة مع الشركات الغربية. وتهدف الشركة إلى تحقيق أرباح بحلول عام 2027، على الرغم من أنها لا تزال تحقق خسائر كبيرة، حيث بلغت خسائرها حوالي 6 مليارات يوان منذ عام 2022.

وعلى عكس الشركات الأخرى التي تركز على مسرعات الذكاء الاصطناعي فقط، تسعى “مور ثريدز” إلى إنتاج وحدات معالجة رسومات شاملة (GPUs) قادرة على أداء مهام متعددة، مثل تدريب الذكاء الاصطناعي وتصميم الرسومات ثلاثية الأبعاد. يهدف هذا التنوع إلى تكرار النجاح الذي حققته شركة “إنفيديا” في السوق العالمية، مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات المتطورة للصناعات المختلفة.

يُذكر أن مؤشر “ستار 50” للشركات التكنولوجية المحلية في الصين شهد ارتفاعًا بنسبة 34% هذا العام، بينما تضاعفت قيمة شركة “كامبريكون تكنولوجيز”. يعكس هذا النمو العام زخم قطاع التكنولوجيا الصيني، والرغبة في تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية.

مسيرة تشانغ جيان تشونغ المهنية

يتمتع تشانغ بخبرة واسعة في صناعة أشباه الموصلات، حيث بدأ مسيرته المهنية في معهد أبحاث وتصميم أتمتة المعادن في التسعينيات. ثم انتقل للعمل في شركات أمريكية كبرى في الصين، مثل “هيوليت باكارد” و”ديل تكنولوجيز”، قبل أن يتولى منصب المدير العام لشركة “إنفيديا” في الصين لمدة 15 عامًا.

استفاد تشانغ من خبرته الطويلة ومعرفته بالسوق الصيني لتأسيس شركة “مور ثريدز” في عام 2020، وجذب استثمارات كبيرة خلال فترة قصيرة. تعتبر هذه القدرة على بناء منظومة تكنولوجية جديدة في ظل القيود التجارية بمثابة إنجاز كبير.

يتوقع أن يتم استخدام رأس المال الذي تم جمعه من الاكتتاب في تمويل مشاريع تطوير الرقائق المتقدمة، وتعزيز القدرات البحثية للشركة. وهذا سيساعد “مور ثريدز” على مواصلة التنافس في سوق سريع التطور، وتلبية الطلب المتزايد على التكنولوجيات الذكية.

على الرغم من الإنجازات الأخيرة، لا يزال الطريق أمام “مور ثريدز” مليئًا بالتحديات. سيتطلب اللحاق بالشركات الرائدة مثل “إنفيديا” استثمارات مستمرة في البحث والتطوير، وبناء شراكات استراتيجية مع الموردين والعملاء. ومن الضروري مراقبة قدرة الشركة على تحويل الاستثمارات إلى أرباح مستدامة، وتقليل الاعتماد على الدعم الحكومي.

في المستقبل القريب، من المتوقع أن تركز “مور ثريدز” على إطلاق منتجات جديدة وتوسيع قاعدة عملائها في الصين وخارجها. وسيكون أداء الشركة في السوق مؤشرًا رئيسيًا على نجاح استراتيجية الاكتفاء الذاتي التكنولوجي التي تتبناها الصين، وعلى مستقبل المنافسة في صناعة الرقائق العالمية.

شاركها.