شهدت الدوحة انطلاق النسخة الأولى من مؤتمر GSMA للاتصالات المتنقلة في الشرق الأوسط (MWC)، وهو الحدث الذي يمثل نقطة تحول مهمة في مسيرة المنطقة نحو تبني التكنولوجيا الرقمية، وعلى رأسها الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي. وأوضح فيفيك بادرينات، المدير العام لـ GSMA، أن اختيار الدوحة لم يكن عشوائياً، بل جاء تقديراً للتقدم الكبير الذي أحرزته قطر ودول الخليج في مجال نشر شبكات الجيل الخامس.
ويكتسب هذا المؤتمر أهمية خاصة في ظل التوقعات بازدهار اقتصاد المنطقة الرقمي. حيث تشير التحليلات إلى أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشكلان سوقاً واعدة للتقنيات الحديثة، وأن مؤتمر MWC الدوحة يهدف إلى تسريع وتيرة هذا التحول وجذب الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. يأتي ذلك في وقت عالمي يشهد فيه قطاع الاتصالات تحديات وفرصاً كبيرة.
لماذا الدوحة مركزاً لـ مؤتمر GSMA للاتصالات المتنقلة؟
أكد بادرينات أن المنطقة قد انتقلت خلال عامين فقط من مرحلة إطلاق شبكات الجيل الخامس إلى تحقيق انتشار واسع، مما يجعلها في طليعة الدول الأكثر تقدماً في هذا المجال على مستوى العالم. وأضاف أن موقع الدوحة الجغرافي المتميز بين قارتي آسيا وأوروبا يعزز من جاذبيتها كمركز للابتكار والتواصل في قطاع الاتصالات.
يشير المراقبون إلى أن حجم المشاركة في النسخة الأولى من المؤتمر، بأكثر من 250 شركة عارضة، يؤكد أن قرار اختيار الدوحة كان موفقاً. ويعكس هذا الحضور القوي الثقة المتزايدة في قدرة المنطقة على استضافة فعاليات عالمية كبرى.
تجنب أخطاء الماضي في التحول الرقمي
وحذر بادرينات من الوقوع في أخطاء شهدتها أسواق أخرى في مسار التحول الرقمي، مثل ارتفاع تكاليف الطيف الترددي، مما يثقل كاهل شركات الاتصالات ويعيق توسيع نطاق الشبكات. وشدد على ضرورة وجود سياسات حكومية واضحة تشجع على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتعزز العائد على الاستثمار.
من الضروري أيضاً، وفقاً لبادرينات، تجنب فرض ضرائب خاصة على قطاع الاتصالات، فقد أثبتت التجارب الدولية أن هذه الضرائب تبطئ من نشر شبكات الجيل الخامس وتقويض جهود التحول الرقمي الشامل.
الذكاء الاصطناعي وتحديات البنية التحتية
يطرح انتشار الذكاء الاصطناعي تحديات جديدة تتعلق بالبنية التحتية للاتصالات. يرى بادرينات أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في حجم البيانات المنقولة، خاصة بيانات الرفع (Uplink)، مما يتطلب استثمارات ضخمة في تطوير الشبكات. ويقارن هذا الوضع بالضغط الذي أحدثته منصات الفيديو في الماضي.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانيات الذكاء الاصطناعي، ويقترح بادرينات ضرورة إجراء حوار مبكر بين شركات الاتصالات ومزودي التطبيقات لضمان جودة الشبكة وعدم تأثير التطبيقات الجديدة على تجربة المستخدمين الآخرين.
نموذج تنظيمي مُخصص للمنطقة
اعتبر بادرينات أن المنطقة تحتاج إلى نموذج تنظيمي مُخصص، يتميز بالمرونة التشريعية التي تسمح بالابتكار، مع ضرورة وضع سياسات واضحة ومستقرة بشأن الطيف الترددي لتعزيز الثقة وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل. وقد بدأت بالفعل بعض الهيئات التنظيمية في المنطقة في تبني سياسات حديثة تدعم التحول الرقمي.
مؤشرات نجاح مؤتمر MWC الدوحة بحلول 2028
حدد بادرينات مؤشرين رئيسيين لقياس نجاح مؤتمر MWC الدوحة بحلول عام 2028. أولاً، مدى انتشار الجيل الخامس الصناعي (Industrial 5G) وقدرة المصانع والموانئ والمستشفيات والمدارس على الاستفادة من الاتصال المتقدم في تحسين الكفاءة وتقديم خدمات أفضل. وثانياً، تقليص فجوة الاستخدام الرقمي في المنطقة، حيث يقدر عدد الأشخاص الذين يمتلكون تغطية شبكة ولا يستخدمون الإنترنت المحمول بنحو 340 مليون شخص.
إن تحقيق الشمول الرقمي يتطلب خفض تكلفة الخدمة وتوفير أجهزة بأسعار مناسبة وإتاحة المحتوى بلغات مختلفة. يرى بادرينات أن “النجاح الحقيقي يكمن في مزيد من الشمول والمزيد من الابتكار الذي ينعكس إيجاباً على حياة الناس”.
الاستدامة والطاقة: تحديات متوازية
أقر بادرينات بأن توسع شبكات الجيل الخامس واعتماد الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة. ومع ذلك، أكد أن التكنولوجيا نفسها، وخاصة الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تكون جزءاً من الحل من خلال تحسين إدارة الشبكات وتقليل الهدر في الطاقة. كما أشار إلى أهمية تطوير نماذج لغوية صغيرة وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
ويؤكد قطاع الاتصالات التزامه بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. ويتطلب تحقيق هذا الهدف تبني استراتيجيات مبتكرة لتقليل البصمة الكربونية لشبكات الاتصالات.
ومع التوجه نحو اقتصاد رقمي متكامل، سيستمر مؤتمر MWC الدوحة في لعب دور محوري في تعزيز التعاون والابتكار وتسريع وتيرة التحول الرقمي في المنطقة. ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر في السنوات القادمة تطورات ملحوظة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والأمن السيبراني. وستبقى المتابعة الدقيقة لتطورات البنية التحتية الرقمية وسياسات التنظيم والجهود المبذولة لتحقيق الاستدامة أمراً بالغ الأهمية لتقييم النجاح المستقبلي لهذا الحدث.






