ويأتي هذا التحديث ضمن الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف استراتيجية الصناعة الوطنية، ومواءمة التوجهات العمرانية مع رؤية المملكة 2030، مع التركيز على الاستدامة، وخلق بيئة عمل شاملة تراعي تمكين المرأة، وتواكب التطورات التقنية والمعمارية.
نطاق التطبيق وصلاحيات ”مدن“ التنظيمية
ينطبق الدليل على كافة المشاريع الصناعية والمرافق الخدمية الداعمة داخل المدن والمناطق الصناعية، بما يشمل أعمال البناء والهدم، والتشغيل، والتوسعة، والتعديلات، وحقوق الانتفاع. وتُمارس هيئة ”مدن“ الصلاحية الكاملة في إصدار وتفسير هذا الدليل، واعتماد التعديلات عليه، ومراقبة تطبيقه من مرحلة التصميم المبدئي وحتى الانتهاء من أعمال التشييد والتشغيل.
كما يُعد كود البناء السعودي والمواصفات الفنية الصادرة عن هيئة المواصفات والمقاييس «SASO» مرجعًا أساسيًا للدليل، مع تضمين الأنظمة والاشتراطات الصادرة عن وزارة الصحة، والهيئة العامة للغذاء والدواء، والدفاع المدني، وهيئة الأرصاد.
أهم إلزامات وضوابط الدليل
يُلزم الدليل المستثمر الصناعي بعدد من الضوابط أبرزها احترام حقوق الجوار، والتنسيق مع المشاريع المجاورة، وتقديم المخططات عبر مكتب استشاري مرخص ومتخصص في تصميم المصانع، والحصول على التراخيص اللازمة قبل الشروع في البناء.
أما المصمم الهندسي، فعليه الالتزام بالمعايير العالمية في التصميم المعماري والإنشائي والصناعي، مع توثيق تفاصيل السلامة، وتحديد مخارج الطوارئ والمسارات، ومراعاة التكامل مع أنظمة الأمن والسلامة. كما يُمنع إجراء تعديلات على التصميم دون موافقة مسبقة من الهيئة.
وبالنسبة لـ المشرف على التنفيذ، فتتمثل مسؤولياته في متابعة أداء المقاول، والتأكد من تنفيذ العمل وفق المعايير البيئية والجودة والسلامة، إلى جانب إعداد تقارير شهرية توضح تقدم العمل والالتزام بالمواصفات المعتمدة.
وفيما يخص المقاول، يلتزم بالتنفيذ الدقيق للمخططات المعتمدة، والتقيد بكود البناء ومتطلبات السلامة، وتحمل المسؤولية الكاملة عن الأجهزة والمعدات، والحفاظ على سلامة المباني المجاورة أثناء الحفر والهدم، وعدم استخدام الطرق أو الممرات العامة لتخزين المواد.
خطوات الحصول على ترخيص إنشاء مصنع
أوضحت ”مدن“ أن التقديم للحصول على رخصة بناء يتم من خلال البوابة الإلكترونية، حيث يجب الاطلاع على الاشتراطات التفصيلية باللغتين العربية والإنجليزية، ومن ثم مراجعة إدارة التراخيص بالمدينة الصناعية المختصة لاستيفاء المتطلبات.
ويُشترط أن تكون الأرض المستخدمة لإقامة المصنع مؤجرة أو مملوكة بموجب عقد مع الهيئة أو مالك المدينة الصناعية الخاصة، كما يجب الحصول على الترخيص الصناعي من الجهات المختصة مثل وزارة التجارة أو الهيئة العامة للاستثمار.
أما مصانع الأغذية والأدوية ومستحضرات التجميل، فعليها الحصول على موافقات إضافية من الهيئة العامة للغذاء والدواء لضمان مطابقة الإنتاج لمعايير الصحة العامة.
تصنيفات النشاط الصناعي
تُصنّف المصانع حسب أثرها البيئي إلى ثلاثة مستويات: محدود، ومتوسط، وخطير.
وتتفاوت الاشتراطات من تعبئة استمارة تقييم مبدئي إلى إعداد دراسة تقييم أثر بيئي متكاملة، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة مثل هيئة الأرصاد أو المراكز البحثية المعتمدة.
ويلتزم المستثمر بالإفصاح عن طبيعة نشاطه الصناعي أمام إدارة التراخيص في ”مدن“، والتقيد بالمعدلات والمعايير البيئية المعتمدة للانبعاثات، والنفايات، والاستهلاك المائي والطاقة.
شبكات المرافق ومواصفات المباني المتخصصة
يشترط الدليل التزام المستثمر والمطور بمعايير إنشاء وتشغيل شبكات المرافق الخدمية مثل الكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والاتصالات، وأنظمة مكافحة الحريق، مع ضمان تكاملها مع البنية التحتية العامة للمدينة الصناعية. ويجب مراعاة قابلية الصيانة والتوسعة المستقبلية، وأن تكون المواد المستخدمة مطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة.
يفرض الدليل معايير محددة لارتفاعات المباني، والارتدادات، ومساحات التخزين، وأبعاد الممرات، ومخارج الطوارئ، مع مراعاة نوع النشاط الصناعي والقدرة التشغيلية للموقع. كما يُراعى في التصميم تطبيق مبادئ الاستدامة، واستخدام المواد المحلية كلما أمكن، والاعتماد على الطاقة المتجددة.
ويتضمن الدليل أيضًا ضوابط استرشادية للمباني ذات الأنشطة المحددة، مثل المختبرات، المراكز البحثية، مصانع الأدوية، ومرافق تخزين المواد الخطرة، مع توفر رسومات توضيحية تفصيلية ضمن النسخة الرسمية.
المصانع الرأسية.. ابتكار معماري مستدام
من أبرز ما تضمنه الدليل هو تسليط الضوء على نموذج المصانع الرأسية كأحد الابتكارات المعمارية والصناعية المستقبلية، خاصة في البيئات الحضرية ذات المساحات المحدودة.
وتمثل المصانع الرأسية نموذجًا متكاملًا يعزز الشفافية من خلال تصميمات مفتوحة أو بجدران زجاجية تتيح متابعة العمليات من الخارج، مما يعزز الثقة بين المصنع وأصحاب المصلحة، ويضمن الامتثال للممارسات البيئية والأخلاقية.
تُبنى المصانع الرأسية على مبدأ دمج مراحل الإنتاج المختلفة داخل هيكل عمودي واحد، مما يسهّل المراقبة، ويحسّن الأداء التشغيلي، ويقلل من الاعتماد على المصادر الخارجية. كما يسمح هذا النموذج بجمع البيانات البيئية ومؤشرات الأداء بشكل دقيق يعزز التزام المصنع بمعايير ESG العالمية.
وتُتيح المصانع الرأسية أيضًا تخصيص طوابق مختلفة لعمليات إنتاج متنوعة، ما يمنح مرونة للتوسع أو التكيف مع التغيرات السوقية، ويدعم التصنيع حسب الطلب لتقليل الفاقد والمخزون.
يعتمد نموذج المصانع الرأسية على مزيج من التقنيات المتقدمة والقدرات المحلية، حيث يدمج المواد المحلية والعمالة السعودية، دون الإخلال بمعايير الجودة العالمية. ويُسهم الموقع الحضري لهذه المصانع في تقليص تكاليف النقل والتسليم وتحسين زمن الاستجابة للأسواق المحلية.
فرص تعاون كبيرة وتكاليف منخفضة
تتميز المصانع الرأسية بقدرتها على استضافة مساحات إنتاج مشتركة بين أكثر من جهة صناعية، ما يفتح المجال أمام التعاون وتبادل الأفكار، ويحول المصنع إلى مركز للابتكار.
كما أن تقاسم الموارد والعمالة يقلل من التكاليف التشغيلية ويحقق اقتصاديات الحجم بطريقة فعالة.
رغم صغر مساحتها الأفقية، إلا أن المصانع الرأسية تُعد صديقة للبيئة من خلال كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، وإدارة النفايات، كما يمكن توسيعها بإضافة طوابق حسب الحاجة. ويُعزز هذا النموذج من إمكانية التصنيع الهجين، حيث يمكن الجمع بين الطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات، والتجميع اليدوي في بيئة واحدة.