في تطور لافت، أطلقت السلطات الأوكرانية حملة اعتقالات واسعة النطاق تستهدف رجال أعمال بارزين، بما في ذلك الملياردير إيهور كولومويسكي، في إشارة قوية إلى عزم كييف على مكافحة الفساد. هذه الحملة، التي بدأت في مطلع الأسبوع، تكتسب أهمية خاصة في ظل مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحاجة إلى إظهار تقدم حقيقي في مجال الإصلاحات. وتأتي هذه الخطوة قبل قمة مهمة مع الاتحاد الأوروبي، مما يعزز الاعتقاد بأنها موجهة لإرسال رسالة واضحة إلى الشركاء الغربيين.
استهدفت المداهمات، التي نفذها جهاز الأمن الأوكراني (SBU)، بشكل رئيسي كولومويسكي وعدد من المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركتي النفط الوطنيتين “أوكرنافتا” و”أوكرتاتنافتا”. وتتركز التحقيقات حول اتهامات بتهريب عائدات النفط واختلاس أموال عامة تقدر بنحو مليار دولار أمريكي، وفقًا لبيان صادر عن مكتب المدعي العام الأوكراني. وقد بدأت الشرطة في تفتيش منازل ومكاتب المعنيين، مما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية.
إيهور كولومويسكي والفساد في أوكرانيا: نظرة عامة
يُعد إيهور كولومويسكي شخصية مثيرة للجدل في أوكرانيا، حيث تراكمت ثروته في قطاعات النفط والتعدين والبنوك. وقد اشتهر بدوره الداعم للرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال الحملة الرئاسية عام 2019، حيث استخدم قنواته الإعلامية لتعزيز صورته. ومع ذلك، تصاعدت التوترات بين الرجلين في السنوات اللاحقة، خاصة بعد قرار الحكومة بتأميم “بريفات بنك”، البنك الخاص الذي كان يملكه كولومويسكي، على خلفية ممارسات مالية مشكوك فيها.
الخلفية التاريخية لكولومويسكي
بدأ كولومويسكي نشاطه التجاري في أوائل التسعينيات، مستفيدًا من فترة التحول الاقتصادي التي شهدتها أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وقد بنى إمبراطورية تجارية واسعة، لكنها لطالما كانت محاطة بشبهات الفساد والتأثير السياسي غير المبرر. ويعتبر أحد أبرز رموز “الأوليغارشية” الأوكرانية، وهي مجموعة من رجال الأعمال الأثرياء الذين يتمتعون بنفوذ كبير على السياسة والاقتصاد.
تأميم بريفات بنك وتصاعد الخلاف
يُعد تأميم “بريفات بنك” عام 2016 نقطة تحول رئيسية في العلاقة بين كولومويسكي والحكومة الأوكرانية. وادعت الحكومة أن البنك كان بحاجة إلى الإنقاذ لتجنب أزمة مالية أوسع نطاقًا، بينما اتهم كولومويسكي السلطات بالقيام بعملية استيلاء غير قانونية بهدف الاستيلاء على أصوله. وقد أدت هذه القضية إلى توترات طويلة الأمد وتسببت في تدهور كبير في ثقة كولومويسكي في الحكومة.
سحب الجنسية الأوكرانية كإجراء تمهيدي
في خطوة سبقت المداهمات الأخيرة، جردت السلطات الأوكرانية كولومويسكي من جنسيته الأوكرانية. ويُعتقد أن هذا الإجراء كان يهدف إلى إزالة أي حماية سياسية أو قانونية قد يتمتع بها، مما يسهل عملية التحقيق ومحاكمته بتهم الفساد. وقد أثار هذا القرار انتقادات من بعض الأطراف، التي اعتبرته انتقامًا سياسيًا.
الدوافع السياسية والاستراتيجية وراء الحملة
تأتي هذه الحملة في وقت حرج بالنسبة لأوكرانيا، حيث تسعى جاهدة للحصول على دعم دولي لمواجهة الغزو الروسي المستمر. إضافة إلى ذلك، فإن مكافحة الفساد هي شرط أساسي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو هدف استراتيجي رئيسي بالنسبة لكييف. وتهدف هذه الإجراءات إلى طمأنة الشركاء الغربيين بأن المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها أوكرانيا تستخدم بشكل فعال ومسؤول.
الدعم الدولي، والشفافية المالية، والإصلاح المؤسسي هي قضايا رئيسية مرتبطة بهذه التطورات. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة تعكس رغبة الرئيس زيلينسكي في إظهار عزمه على القضاء على الفساد، حتى لو كان ذلك يعني استهداف حلفائه السابقين. وتشير التقارير إلى أن هذه الحملة هي جزء من جهد أوسع نطاقًا لتفكيك نفوذ الأوليغارشية وتقوية مؤسسات الدولة.
من المتوقع أن يكون لهذه الحملة تأثير كبير على المشهد السياسي والاقتصادي في أوكرانيا. قد تؤدي إلى مزيد من الإصلاحات في قطاع الطاقة والمال، فضلاً عن تعزيز سيادة القانون ومحاسبة المسؤولين الفاسدين. ومع ذلك، فإنها قد تثير أيضًا ردود فعل عنيفة من قبل المتضررين وتزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي.
في الأيام والأسابيع المقبلة، من المتوقع أن يستمر التحقيق في قضايا الفساد الموجهة إلى كولومويسكي وشركائه. وسيراقب المراقبون الدوليون عن كثب سير هذه التحقيقات، بالإضافة إلى الإجراءات التي ستتخذها الحكومة الأوكرانية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. من المرجح أن تكون نتيجة هذه القضية حاسمة بالنسبة لمستقبل أوكرانيا وعلاقاتها مع العالم.

