وأكد المتحدثون في الندوة على أهمية تبني مفاهيم التخطيط الحضري الذكي، وتمكين الكفاءات الوطنية، وتحفيز الاستثمار العقاري النوعي، والاهتمام بالهوية المعمارية السعودية الحديثة التي تجمع بين الأصالة وروح العصر، إضافة إلى تفعيل الأنظمة التشريعية المحفزة، وتعزيز الشراكات مع المراكز البحثية والجامعات، ودعم مشاريع الإسكان الميسر وتوسيع البنية التحتية في المدن الثانوية.
جاءت أبرز التوصيات كالتالي:
1- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتنفيذ الرؤية العمرانية للمملكة.
2- تبني أنظمة وتشريعات محفزة للاستثمار العقاري طويل الأجل.
3- تسريع تطبيق مفاهيم التخطيط الحضري الذكي والحوكمة الرقمية للمدن.
4- دعم مشاريع الإسكان الميسر مع مراعاة الاستدامة البيئية والاقتصادية.
5- تمكين الكفاءات السعودية وتوطين صناعة التخطيط العمراني والهندسة المعمارية.
6 – تشجيع الدراسات والأبحاث التطبيقية لدعم صناع القرار.
7 – الحفاظ على الهوية المعمارية الوطنية في المشاريع التنموية الجديدة.
8- التركيز على تنمية المدن الثانوية وتوزيع التنمية جغرافيًا بشكل متوازن.
وعقدت “اليوم” ندوة صحفية في ظل المتغيرات المتسارية المتسارعة التي يشهدها القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية، ومع بروز تحديات كبرى تتطلب حلولاً جذرية، تأتي التوجيهات السامية من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – كمحفّز رئيسي لإعادة تشكيل المشهد العقاري والسكاني، بما يعزز العدالة الاجتماعية ويحقق مستهدفات رؤية 2030.
وأقيمت الندوة بهدف رصد انعكاسات تلك التوجيهات على السوق، واستعراض أبرز الفرص والتحديات من وجهات نظر أكاديميين ومطورين ومستشارين في القطاع،.
واتفقت آراء المشاركين في ندوة اليوم على أن السوق العقاري السعودي يمر بمرحلة تحوّل مفصلية، تحتاج إلى تدخلات شجاعة ومبتكرة كما تقودها القيادة الرشيدة.
واعتبر الجميع أن القرارات الأخيرة بشأن فرض رسوم على الأراضي البيضاء وفتح أراضٍ جديدة بأسعار مدروسة، تمثل بوابة لعصر جديد من التنمية العمرانية المستدامة، القائمة على التوازن بين مصالح المستثمرين واحتياجات المواطنين، وبين حماية الهوية الوطنية وتحقيق التوسع العمراني.
الأراضي البيضاء
قال المستشار العقاري خالد بارشيد: “إن الرسوم على الأراضي البيضاء التي صدرت من مجلس الوزراء، والتي ارتفعت من 2.5% إلى 10%، لها عدة محددات، وسيتم تحديدها بعد صدور اللائحة”.
وأضاف أن شراء الأراضي بمساحات شاسعة ثم اكتنازها لسنوات دون تطوير يُعطل التنمية، ويرفع أسعار الأراضي، ويقلل من فرص بناء مساكن جديدة. وهذا يعطي انطباعًا بأن مكتنز تلك الأراضي لا يرغب في تطوير البلد، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأراضي في الرياض ليصل سعر المتر إلى 17,000 ريال للمتر المربع.
خالد بارشيد
وتابع: “جاءت أوامر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – بفتح 81 مليون متر مربع شمال الرياض في السوق العقاري، وتحديد سعر المتر بـ 1,500 ريال، مع إعطاء الأولوية لمن لا يملكون أراضيًا. موضحًا أن إشكالية الأراضي البيضاء تكمن في وقوعها داخل المدن وفي النطاق العمراني، حيث لا تُبنى ولا تُستغل ولا تُباع، مؤكدًا أن قضية الاحتكار انتهت في ظل هذه القرارا”ت.
صعوبة التمويل
قال الأستاذ في قسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود، الأستاذ الدكتور وليد الزامل، في مداخلته خلال الندوة: “إن توجيه سمو ولي العهد – حفظه الله – بتطوير منظومة القطاع العقاري، إلى جانب تبرعه الكريم لدعم القطاع التنموي، الذي يُعد من القطاعات الحيوية التي تستهدف الفئات ذات الدخل المحدود والمنخفض، هذه الفئة التي نُطلق عليها أحيانًا “Extreme Low-Income” أو الأسر الأشد حاجةً، تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في المدن الكبرى، حيث تكون أسعار الأراضي خارج حدود قدراتهم الاقتصادية. كما يعانون من صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتملك السكن”.
وأوضح أن التوجيه الكريم والدعم المقدم من سمو ولي العهد من شأنه إحداث نقلة نوعية في منظومة الإسكان التنموي، ليس فقط من حيث الكم بإنتاج وحدات سكنية، بل من حيث النوع أيضًا، بإنتاج وحدات تتوافق مع احتياجات السكان من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والبيئية”.

د. وليد الزامل
وأضاف أن مفهوم الإسكان التنموي اليوم يجب أن يتطور ويتماشى مع هذه المبادرات، بحيث لا يقتصر فقط على توفير سكن للأسر الأشد حاجةً، بل يمتد ليشمل تنمية الإنسان، من خلال توزيع هذه الوحدات بطريقة تراعي الإدماج الاجتماعي، وتُشرك الجمعيات الإسكانية التي تدرس حالات المستفيدين وتفهم واقعهم.
الإسكان التنموي
قال المتخصص في القيادة التنظيمية بالقطاع العقاري والكاتب العقاري الدكتور ماجد الركبان إن توجيه سمو ولي العهد بزيادة نسبة رسوم الأراضي البيضاء سيكون له – بإذن الله – أثر إيجابي على السوق العقاري.
وأضاف أن هذا الإجراء سيضغط على ملاك الأراضي السكنية لاتخاذ أحد الخيارات التالية: إما ضخ الأراضي في السوق عبر البيع، أو تطويرها، أو دفع الرسوم. كل هذه الخيارات إيجابية، سواء من حيث تعزيز العرض في السوق العقاري، أو دعم التطوير العقاري، أو زيادة الإيرادات المالية للدولة. هذه الإيرادات غالبًا ما تُوجه لدعم مشاريع الإسكان التنموي، مما يعزز الاقتصاد الوطني بشكل مترابط

د. ماجد الركبان
.
ويرى الركبان أن هذا السوق يواجه تحديات فريدة تتطلب حلولًا غير تقليدية. القيادة – حفظها الله – أدركت ضرورة التدخل الجاد لجعل الاحتفاظ بالأراضي غير المستغلة أمرًا مكلفًا، مما يدفع ملاكها للتخلص منها عبر البيع أو التطوير. في الرياض، نواجه أيضًا تحدي الطلب المتزايد، الذي تفاقم بسبب سياسات متضاربة، مثل إيقاف بعض المشاريع العقارية وفي الوقت ذاته ضخ قروض ميسرة. هذا الوضع أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار خلال العامين الماضيين، وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يؤدي إلى أزمة عقارية تؤثر على القطاع بأكمله.
ارتفاع الأسعار
أكد المستشار المتخصص في التطوير العقاري المهندس عبد الناصر العبداللطيف أن دعم سمو ولي العهد كان بمثابة تدخل عاجل وسريع لضمان توازن السوق العقاري في المملكة.
وأوضح أن السوق شهد في الفترة الأخيرة ارتفاعات كبيرة في الأسعار، مصحوبة بحجب بعض العقارات والأراضي عن البيع، وعزوف من ملاك الأراضي والمطورين العقاريين عن طرحها في السوق. هذا الوضع نجم عن تسارع يومي في الأسعار، وغياب الوضوح في الخدمات المقدمة، مما زاد من تعقيدات القطاع.

م. عبدالناصر عبداللطيف
وأشار إلى أن توجيهات القيادة جاءت كحل فعال لمعالجة هذه التحديات، حيث أسهمت في تهدئة السوق واستعادة الثقة. ومن المتوقع أن تظهر آثار هذه الإجراءات على مستويين: الأول يتمثل في حالة الحذر والترقب لدى المواطنين والمستفيدين والمطورين، والثاني يتعلق بتفعيل معايير رسوم الأراضي البيضاء، التي ستحفز التطوير العقاري وتحقق نتائج ملموسة.
فرص متنوعة
أعرب مدير مكتب نظم المعلومات الجيومكانية بجامعة الملك عبدالعزيز، الدكتور ريان سحاحيري، عن فخره واعتزازه بكونه مواطنًا سعوديًا يعيش في ظل قيادة حكيمة حققت مستهدفات رؤية 2030 قبل موعدها، لتحوّلها إلى واقع ملموس ومنهج حياة للمجتمع السعودي والمقيمين على أرض المملكة.
وأشاد بالجهود الكبيرة المبذولة لتحقيق هذه الرؤية، التي انعكست إيجابًا على تعزيز جودة الحياة وتطوير المشهد الحضري في المدن السعودية.

د. ريان سحاحيري
وأوضح أن الأراضي البيضاء والفراغات العمرانية تشكل نسبًا كبيرة في المدن الكبرى، إذ تبلغ نسبتها 50% من مساحة الرياض، و61% في جدة، و41% في المدينة المنورة، مع نسب مماثلة في الدمام، وذلك استنادًا إلى بيانات وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
وأفاد بأن هذه النسب تُبرز حجم التحدي والفرص الكبيرة المتاحة لتطوير هذه الأراضي خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، مؤكدًا أن قرارات تسويق هذه الأراضي، التي صدرت خلال العامين الماضيين، تهدف إلى تحسين المشهد الحضري وجودة الحياة، وهو ما يعكس الترابط الوثيق بين جودة الحياة والتطوير العمراني.
وأشار إلى القرار الصادر عن سمو ولي العهد في مطلع عام 2025، بشأن إلزام الجهات المختصة بتطبيق 19 طرازًا عمرانيًا يعكس هوية المملكة،
ونوه بأن هذا القرار لا يقتصر أثره على المستوى المحلي، بل يحمل رسالة عالمية تؤكد التزام السعودية بأصالتها وتراثها الحضاري. وأوضح أن المملكة، بما تمتلكه من تنوع جغرافي ومساحة شاسعة، تحتضن هويات عمرانية متعددة مثل الطراز النجدي والحجازي والشرقي، ويجب أن تُجسّد هذه الهويات في المباني المشيدة على الأراضي البيضاء.
وأوضح أن الحفاظ على الهوية العمرانية لا يقتصر على الواجهات، بل يتعدى ذلك إلى ربط الماضي بالحاضر، ونقل هذا الإرث للأجيال القادمة.
وأضاف أن رؤية طفل سعودي لعمارة نجدية حديثة في الرياض، أو زيارته لجدة التاريخية ومشاهدته للرواشين، ستُرسّخ في ذهنه أهمية التراث والأصالة، لافتًا إلى أن هذا التوجه الذي يقوده سمو ولي العهد سيشكل إرثًا يعزز من مكانة المملكة عالميًا، خاصة مع استضافتها لفعاليات كبرى مثل كأس آسيا وكأس العالم وإكسبو.
رسوم مرتفعة
أكد المطور العقاري المهندس حامد بن حمري أن التنبؤ بنتائج قرارات فرض رسوم على الأراضي البيضاء قد يكون سابقًا لأوانه، نظرًا لغياب اللوائح والتنظيمات التنفيذية المتوقع صدورها خلال 90 يومًا.
واوضح أن العقار يُعد أحد أهم مكتسبات المواطنين، حيث يسعى الكثيرون للاستثمار فيه كوسيلة لتأمين مستقبلهم. ومع ذلك، يعتبر أن فرض رسوم مرتفعة على الأراضي البيضاء، سواء كانت خامًا أو مطورة، قد يكون إجراءً غير عادل في بعض الحالات.

م. حامد بن حمري
وأشار إلى أن المواطن الذي يمتلك أرضًا موروثة أو مكتسبة، بمساحات كبيرة مثل 5,000 متر مربع، لا ينبغي أن يُوصف بـ”المكتنز” للعقار، ولا أن يُجبر على التصرف في ممتلكاته بطريقة غير واضحة أو تحت ضغط مالي.
ونوه بأهمية تحفيز المواطنين والشركات على تطوير الأراضي بدلاً من إرغامهم عبر فرض رسوم باهظة.
ودعا إلى إطلاق برامج وطنية للتمويل والتطوير، تشمل شراكات بين القطاعين العام والخاص، لدعم ملاك الأراضي في استثمار ممتلكاتهم. وأكد أن العديد من المواطنين يفتقرون إلى الخبرة التطويرية، وقد يتعرضون للتضليل من مقاولين أو أفكار غير واقعية، مما يستدعي توفير برامج توعوية وتمويلية تسهل عملية التطوير.
وسلط بن حمري الضوء على تحديات السوق العقاري في الرياض، التي تفاقمت بسبب ثلاثة عوامل رئيسية خلال الفترة الماضية: إيقاف الصكوك، ونزع الملكيات، والتضييق على العرض.
وقال إن هذه العوامل أدت إلى شح المعروض وارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير. ورغم رفع الإيقاف لاحقًا، إلا أن الأسعار وصلت إلى مستويات مرتفعة جدًا. مشيدًا بالحفاظ على صكوك الملكية كأداة وطنية أساسية توفر الأمان للمستثمرين، معتبرًا أن إلغاء الصكوك كان قرارًا خطيرًا تم تفاديه بفضل تدخل الجهات المعنية.
برامج تحفيزية
أكد المستشار العقاري عماد الدليجان أن القرارات الأخيرة لسمو ولي العهد تمثل دفعة قوية لعجلة التنمية العقارية في المملكة، مع التأكيد على ضرورة تعزيز برامج الشراكات والتوعية لتحقيق الأهداف المرجوة. فبالتأكيد، أن قرارات فرض رسوم على الأراضي البيضاء ستسهم في تحريك السوق العقاري بشكل مباشر، حيث ستضغط على ملاك الأراضي لتطويرها أو طرحها للبيع.
وأشار إلى أن هذه القرارات، التي تتزامن مع رؤية 2030، ستولد فرصًا اقتصادية كبيرة، تشمل خلق وظائف مباشرة وغير مباشرة، وتلبية احتياجات مختلف شرائح المجتمع السعودي. موضحًا أن الزخم الاقتصادي الناتج عن هذه الخطوات سيحقق فوائد ملموسة، خصوصًا أن القطاع العقاري يحرك أكثر من 120 نشاطًا اقتصاديًا بشكل مباشر.

م. عماد الدليجان
وشدد على ضرورة إطلاق برامج تحفيزية وشراكات بين المطورين العقاريين وملاك الأراضي، بدلاً من الاعتماد فقط على فرض الرسوم. وأوضح أن العديد من ملاك الأراضي يفتقرون إلى الخبرة في التطوير العقاري أو مراقبة الشركات، مما يستدعي توفير برامج توعوية وتسهيلات تمويلية.
ولفت إلى أن هذه البرامج، إذا طُبقت بشكل فعال، ستحول الأراضي البيضاء إلى مشاريع تنموية مستدامة، بدلاً من أن تظل عبئًا يتناقله الملاك كـ”كرة نار”.