بينما تواصل الحكومة الانتقالية بعث رسائل طمأنة إلى الداخل والخارج برزت مؤشرات أميركية وغربية على إمكانية التعامل مع هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وأغلبية الدول الأوروبية.

فقد نقلت شبكة “إن بي سي” عن مسؤولين أميركيين أن إدارة جو بايدن تدرس بالفعل شطب الهيئة -التي قادت عملية إسقاط بشار الأسد– من قائمة الإرهاب التي أدرجتها فيها عام 2013.

وتهدف المناقشات التي تجريها إدارة بايدن -حسب المسؤولين- إلى إنشاء مسار لبقية دول العالم من أجل التعامل مع الحكومة السورية الجديدة.

وفي سياق متصل، أكدت الخارجية الأميركية أن الوزير أنتوني بلينكن سيناقش مع المسؤولين الأتراك والأردنيين الوضع الجديد في سوريا، وأنه سيؤكد دعم الولايات المتحدة عملية انتقال سياسي سلمي.

رغبة في التعامل مع هيئة تحرير الشام

وتعطي هذه المقدمات إشارة واضحة على رغبة الولايات المتحدة في مد يدها للحكومة السورية الجديدة شريطة أن تلتزم بالأمور الرئيسية المتمثلة في احترام حقوق الأقليات والنساء ومكافحة الإرهاب وتدمير الأسلحة الكيميائية، كما يقول المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط توماس ووريك.

وخلال مشاركته في برنامج “مسار الأحداث”، قال ووريك إن الولايات المتحدة ستتعامل مع حلفائها الذين يملكون علاقات مع فصائل المعارضة -بما فيها هيئة تحرير الشام- وذلك من أجل تشكيل سوريا الجديدة.

ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة -كما يقول ووريك- لن تمد يدها بناء على الإشارات الإيجابية التي أرسلتها الهيئة خلال الأيام الماضية، وإنما هي بحاجة لرؤية أفعال على الأرض حتى تقدم على التعامل معها.

وعلى عكس الرأي السابق، فإن الباحث في معهد الشرق الأوسط الدكتور حسن منيمنة يرى أن على المجتمع الدولي فهم حقيقة أن المسألة في سوريا تتعلق بالقدرة على تنفيذ هذه وليس رغبتها في تنفيذها.

وقد أشار منيمنة إلى أن هيئة تحرير الشام تصرفت بشكل لائق خلال الأيام التي سبقت سقوط النظام، ثم فصلت بين النظام والدولة وأبقت على مؤسسات الدولة رغم مطاردتها شخصيات النظام.

بناء المؤسسات أهم من فرض السياسات

لذلك، فإن ما يجب على واشنطن فعله حاليا هو تمكين الهيئة من القيام بهذه المهام وليس فقط مطالبتها بتنفيذها، وفق منيمنة الذي انتقد “الطريقة المستفزة التي تتعامل بها واشنطن”.

وإذا كان الأميركيون صادقين فعلا في نواياهم تجاه سوريا فإن عليهم التوقف عن ترسيخ فكرة فرض الوصاية والإملاءات، وأن يدفعوا بقية الأطراف إلى دعم التحول السياسي الحقيقي في سوريا، كما يقول المتحدث.

ومن هذا المنطلق، يعتقد منيمنة أن على الولايات المتحدة دعم بناء المؤسسات لا تشكيل السياسات في سوريا، وأن تحاول حل مسألة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسعى إلى الانفصال، والتي ستكون برأيه حجر العثرة في أي تفاهمات أميركية تركية مستقبلية بشأن سوريا.

والسبب المهم الذي يدفع منيمنة إلى الحديث عن أهمية بناء المؤسسات هو أن “مواقف الولايات المتحدة تتبدل، ليس فقط بتبدل الإدارات وإنما حسب ما تقتضيه مصلحة إسرائيل”.

الرهان على الانسجام الدولي

وبينما تشير المؤشرات إلى اعتراف العالم بهيئة تحرير الشام كجزء من مستقبل سوريا فإن الهيئة في الوقت نفسه لا تملك رفاهية معاداة المجتمع الدولي، لأنها بحاجة للشرعية الدولية التي ستمكن سوريا من الحصول على مساعدات اقتصادية، برأي الكاتب والباحث السياسي محمود علوش.

وتمثل المساعدات الاقتصادية المحتملة مسألة شديدة الأهمية بالنسبة لسوريا، حسب علوش الذي قال إن هناك اعتقادا في واشنطن بأن تقديم بعض المميزات للهيئة قد يدفعها إلى التجاوب مع الطلبات الدولية.

وفي حين تبدو الحكومة الجديدة مستعدة للتعاطي بإيجابية مع ما يريده المجتمع الدولي فإن الأخير ينتطر الأفعال وليس الأقوال، وفق علوش الذي يعتقد أن طريقة إدارة المرحلة المقبلة هي التي ستحدد الموقف الدولي من التعامل مع الهيئة.

وبناء على هذا الترقب فإن المجتمع الدولي قد لا يعلن سياسة دولية واضحة تجاه السلطة الجديدة خلال الفترة الحالية برأي علوش الذي يرى أن تركيا ستكون قناة اتصال رئيسية بين سوريا والدول الغربية بالنظر إلى دورها الكبير في التحول الأخير.

وفي كل الحالات فإن مضي سوريا قدما في مسار التحول السياسي المأمول يظل مرهونا بمواقف الدول التي تمتلك نفوذا فيها ومدى سعيها لدعم الانتقال السياسي الذي سيواجه تعثرا كبيرا في حال تمسكت هذه الدول بالبحث عن مصالحها الخاصة، حسب علوش.

وفي حين يترقب البعض موقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الفعلي من سوريا فإن علوش يعتقد أن غياب الانسجام الدولي بشأن مستقبل هذا البلد يضع تحوله السياسي الحقيقي أمام مخاطر كبيرة جدا.

شاركها.