لا يزال الخبراء السياسيون مختلفين حول النقطة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي لم يمض عليها إلا 4 أيام فقط، حيث يتحدث البعض عن نجاح إسرائيلي في تغيير شكل الشرق الأوسط، ويحاجج آخرون بأن تغيير المنطقة على النحو الذي يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- لن يكون بهذه السهولة.

فقد وجهت إسرائيل ضربات للبنية العسكرية والاقتصادية والمدنية الإيرانية، مما دفع نتنياهو للقول إن الشرق الأوسط يتغير وإن قواته قضت على نصف المسيرات الإيرانية وهاجمت الرادارات المركزية المهمة ومبنى الإذاعة والتلفزيون.

كما قال نتنياهو -في كلمة يوم الاثنين- إن القوات الإسرائيلية تواصل تدمير أهداف متعلقة ببرنامج إيران النووي، وإن إسرائيل تسيطر على الأجواء الإيرانية، وإنها في طريقها إلى النصر، مؤكدا أن الإيرانيين يعرفون ذلك.

لكن حديث نتنياهو لا ينفي حقيقة تعرض قلب إسرائيل لضربات لم يسبق أن تعرض لها منذ 1948 كما يقول المحللون، فقد شنت إيران موجات صاروخية على العديد من المناطق في إسرائيل وألحقت أضرارا كبيرة طالت الثقل السياسي والاقتصادي الإسرائيلي المتمثل في تل أبيب وحيفا.

وأرغمت الهجمات الإيرانية أيضا إسرائيل على إغلاق مجالها الجوي ومطار بن غوريون الدولي لأجل غير مسمى، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ دولة الاحتلال التي منعت الإسرائيليين من السفر للخارج.

حرب إستراتيجية

ووفقا للخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى، فقد أصبحت إيران أولوية إستراتيجية لإسرائيل ونتنياهو شخصيا الذي يحاول محو فشله في قطاع غزة بتحقيق نصر إستراتيجي في إيران.

وإن نجح نتنياهو في تحقيق أهدافه الرئيسية في إيران والمتمثلة في تدمير المشروع النووي وإسقاط النظام السياسي فسيجد فرصة للقول إنه قضى على رأس المحور المعادي لإسرائيل في المنطقة، وقد ينهي حرب غزة تماما، كما يقول الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي.

وبالمقابل، فإن فشل نتنياهو في تحقيق هذا النصر الصعب يعني القضاء التام على مستقبله -برأي مكي- الذي يقول إن إسرائيل كلها رمت بأمنها كله على طاولة هذه الحرب.

وبدورها ترى الباحثة في الشأن الإيراني الدكتورة فاطمة الصمادي أن هذه الحرب قد تصبح ويلا على إسرائيل لأن إيران ليست دولة ضعيفة كما يحاول نتنياهو تصويرها.

وليس ذلك فحسب، بل أن الدكتورة فاطمة ترى أن نتنياهو “مغرق في عنجهية المحتل” مؤكدة أن إسقاط نظام إيران وتدمير برنامجها الصاروخي ليس بهذه السهولة التي يتحدث عنها، مضيفة أن تغيير المنطقة لن يكون بكلمة يقولها رئيس وزراء الاحتلال الذي يراهن على انحياز الداخل الإيراني له، والذي مرغت المقاومة الفلسطينية في قطاع عزة المحاصر أنفه في التراب على مدى 18 شهرا.

وقد حرض نتنياهو خلال هذه الحرب الإيرانيين على التحرك لإسقاط النظام السياسي، لكن الباحثة تقول إن الإيرانيين لا يتماهون مع أهداف الاحتلال، كما يروج البعض، مضيفة أنه بالمقابل فإن إيران أيضا لديها تصور لإيجاد شرق أوسط جديد خال من إسرائيل.

وحتى المعارضة الإيرانية في الخارج لا تملك هذه القوة التي تمكنها من تحقيق مشروعات نتنياهو في إيران -كما تقول الباحثة- مشيرة إلى أن رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق والذي يسوق على أنه البديل المتوقع للنظام، هو خيار مرفوض تماما من الداخل الإيراني.

ترامب رفض خفض التصعيد

على العكس من ذلك، يقول المحلل السياسي بالحزب الجمهوري أدولفو فرانكو إن نتنياهو “غير المنطقة فعلا، وقضى على أذرع إيران المتمثلة في حركة حماس وحزب الله اللبناني وأنصار الله (الحوثيين) في اليمن”.

وقال فرانكو إن إسرائيل أضعفت قدرة إيران على ترهيب المنطقة وقضت على قيادتها العسكرية وضربت جزءا كبيرا من بنيتها التحتية، مشيرا إلى أن ما يقوم به نتنياهو يحظى بدعم داخلي وأميركي وغربي، وإن الحلفاء العرب فرحون بما أنجزه في إيران لكنهم لا يعلنون ذلك.

ووفقا للمتحدث، فإن إسرائيل تحظى بدعم كامل من الولايات المتحدة التي يقول إنها رفضت مقترحا لخفض التصعيد كان مطروحا خلال اجتماع دول السبع في كندا يوم الأحد.

وخلص المحلل السياسي الأميركي إلى أن ترامب لا يريد خفض العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران ولن يقبل بأي اتفاق ينص على هذا، لأنه يريد التفاوض مع طهران في ظل الوضع الراهن.

ولذلك، يعتقد الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات أن ترامب “يتعمد تصدير موقف غامض بشأن هذه الحرب لأنه يريد التدخل فيها بشكل مباشر في اللحظة التي يتأكد فيها أن إيران أصبحت غير قادرة على توجيه ضربات للقواعد الأميركية”.

ويرى مكي أن الرئيس الأميركي “يريد القدوم في النهاية لحصد ثمرة النصر، وهو أمر أقنعه به نتنياهو على الأرجح”.

شاركها.