لم يكن مشهد تسليم المجندات الإسرائيليات الأربع اللائي شملتهن الدفعة الثانية من صفقة التبادل مهينا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقط، لكنه كان أيضا دليلا على نهاية مشروع تهجير الفلسطينيين، برأي الأمن العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى.
فعلى عكس ما جرى خلال تسليم الدفعة الأولى من الأسرى قبل أسبوع، كان مشهد تسليم الدفعة الثانية منظما وحمل الكثير من الرسائل السياسية والعسكرية لقادة إسرائيل وشعبها.
وفي حين كان المشهد يدعو كل فلسطيني حر للشعور بالفخر، فإنه كان يحمل الكثير من الإهانة لنتنياهو الذي تأكد الجميع اليوم أنه لم يتمكن من القضاء على المقاومة، كما قال البرغوثي في برنامج “مسار الأحداث”.
انتهاء مخطط التطهير
كما أكد مشهد تسليم المجندات الأربع -من وجهة نظر البرغوثي- فشل إسرائيل في استعادة أسراها بالقوة وفي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأن عودة النازحين إلى شمال القطاع تؤكد انتهاء مخططات التطهير العرقي تماما.
وحتى داخل إسرائيل، أصبح كثيرون يعتقدون أن نتنياهو ذهب إلى هذا الاتفاق مرغما لأنه نص على الانسحاب من غزة ولم يتضمن إنهاء حكم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للقطاع، كما يقول الدكتور مهند مصطفى.
كما ينص الاتفاق أيضا على إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين وهو أمر كان محظورا إسرائيليا منذ 2011 وكانت الأجهزة الأمنية والعسكرية وكل التيارات السياسية بمختلف توجهاتها تعتبره خطا أحمر غير قابل للتجاوز، كما يقول مصطفى.
لكن الإسرائيليين لم يعودوا حاليا معنيين بهذه التنازلات السياسية لأنهم -من وجهة نظر مصطفى- يعتبرون عودة الأسرى مسألة وجودية ويربطونها بقدرة إسرائيل على مواصلة الحياة.
هزيمة سياسية كبيرة
بالتالي، فإن الإسرائيليين حاليا غير معنيين بالقضاء على حماس عسكريا ولا سياسيا ولكنهم معنيون بمواصلة تنفيذ الاتفاق الذي يمثل هزيمة سياسية كبيرة لنتنياهو، حسب تعبير مصطفى.
ومع ذلك، فإن اللحظة الأكثر صعوبة على نتنياهو -كما يقول البرغوثي- ستكون عند البدء في تسلم الجثث لأنه سيواجه وقتها أسئلة بشأن رفضه الاتفاق في مايو/أيار الماضي مما تسبب في مقتل عشرات الأسرى والجنود.
ليس هذا وحسب، فالأمر الآخر المهم -برأي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية- هو أن إسرائيل تعرف جيدا أن إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالمؤبدات سيدفع مزيدا من الشباب نحو المقاومة لأنهم يدركون الآن أن هناك من سيعمل على تحريرهم في حال وقعوا في الأسر.
لذلك، يعتقد الدكتور مهند مصطفى أن محاولة نتنياهو المماطلة في الانسحاب من محور نتساريم بحجة عدم إطلاق حماس سراح أسيرة خامسة هي أريل يهود، ليست إلا نوعا من الحقد لأنه كان يخطط لتفريغ القطاع واستيطانه وإجبار حماس على الاستسلام.
وحتى خطة الجنرالات التي كانت تحاول الحكومة اليمينية من خلالها إجبار حماس على قبول مبدأ الأرض مقابل الأسرى، لم تنجح وكانت سببا في انتهاء فكرة تهجير سكان تماما، برأي مصطفى.
وبناء على هذه المقدمات، يعتقد مصطفى أن هذه الحرب ستكون سببا في خسارة مدوية لنتنياهو في أول انتخابات إسرائيلية مقبلة، لأن صورة تبادل الأسيرات التي ظهرت فيها حماس مسيطرة بشكل شبه كامل على القطاع تلغي أي نجاح آخر قد تتحدث عن الحكومة.
وتم الإفراج عن المجندات الإسرائيليات مقابل الإفراج عن 200 أسير فلسطيني بينهم 121 من المحكومين بالمؤبدات و79 من ذوي الأحكام العالية.