تصاعدت التوترات السياسية في اليمن، حيث اتهم مجلس النواب اليمني المجلس الانتقالي الجنوبي بتقويض الوحدة الوطنية وخدمة مصالح جماعة الحوثي. يأتي هذا التصعيد عقب إجراءات اتخذها المجلس الانتقالي في محافظتي حضرموت والمهرة، والتي اعتبرها البرلمان اليمني تجاوزًا لسلطة مجلس القيادة الرئاسي. وتعتبر هذه الأحداث تطوراً هاماً في المشهد اليمني المعقد، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل عملية السلام والوضع السياسي العام في البلاد.

وطالب مجلس النواب المجلس الانتقالي الجنوبي بإلغاء هذه الإجراءات العسكرية فوراً، مؤكداً على ضرورة احترام سلطة الدولة ومؤسساتها. وقد انعكس هذا الموقف على حالة من الاستقطاب السياسي المتزايد بين مختلف الأطراف اليمنية، مما يثير مخاوف بشأن استقرار الأوضاع وتهديد الجهود المبذولة لتحقيق تسوية سياسية شاملة. وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه اليمن هدوءً هشاً في ظل مفاوضات مستمرة برعاية دولية.

المجلس الانتقالي الجنوبي ومخاوف من تفكك الصف الوطني

تتعلق الإجراءات التي أثارت غضب مجلس النواب بتشكيلات عسكرية جديدة ونشر قوات تابعة للمجلس الانتقالي في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دولياً في حضرموت والمهرة. ويرى مراقبون أن هذه التحركات تهدف إلى تعزيز نفوذ المجلس الانتقالي في هذه المناطق الغنية بالموارد، ولكنها تأتي في توقيت حساس قد يعرقل جهود تحقيق الاستقرار.

خلفية عن المجلس الانتقالي الجنوبي

تأسس المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2017، ويدعو إلى استعادة دولة الجنوب المستقلة التي كانت موجودة قبل عام 1990. ويحظى المجلس بدعم كبير في مناطق جنوب اليمن، لكنه يواجه معارضة من الحكومة اليمنية والأطراف الأخرى التي تؤمن بوحدة البلاد. وقد شارك المجلس في الماضي في صراعات مسلحة مع القوات الحكومية، مما أدى إلى تعقيد الوضع الأمني والسياسي في اليمن.

وفقًا لبيان صادر عن مجلس النواب، فإن هذه الإجراءات تمثل “تمزيقًا للصف الوطني” و”خدمة مجانية” لجماعة الحوثي، التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال وغرب اليمن. ويستند هذا الاتهام إلى الاعتقاد بأن أي انقسام في الجبهة المناهضة للحوثيين سيعزز موقف الجماعة ويصعب عملية تحقيق السلام.

من جهته، لم يصدر رد رسمي مباشر من المجلس الانتقالي الجنوبي على اتهامات مجلس النواب حتى الآن. ومع ذلك، تشير بعض المصادر إلى أن المجلس يرى في هذه الإجراءات ضرورة لحماية الأمن والاستقرار في المناطق الجنوبية، وتلبية مطالب السكان المحليين.

ردود الفعل المحلية والإقليمية

أثارت هذه التطورات ردود فعل متباينة في الأوساط اليمنية. فقد أعربت بعض الأحزاب والمكونات السياسية عن قلقها العميق بشأن هذه الإجراءات، ودعت إلى الحوار والتسوية بين جميع الأطراف. بينما دافعت قوى أخرى عن حق المجلس الانتقالي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالح الجنوبيين.

على الصعيد الإقليمي، لم يصدر أي بيان رسمي من الدول المعنية بالشأن اليمني حتى الآن. ومع ذلك، يُعتقد أن هذه التطورات تثير قلقًا لدى السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تلعبان دورًا رئيسيًا في دعم الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي. وتخشى هذه الدول من أن يؤدي تصاعد التوترات إلى تقويض جهود تحقيق الاستقرار في اليمن، وتعريض مصالحها للخطر.

وتأتي هذه الأحداث في ظل جهود دولية مكثفة لإحياء عملية السلام في اليمن. وقد شهدت الأشهر الأخيرة مباحثات مكثفة بين الأطراف اليمنية برعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014.

في سياق منفصل، تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية تدهوراً اقتصادياً حاداً، وارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية والأساسية. ويعاني الملايين من اليمنيين من نقص الغذاء والدواء، مما يزيد من معاناتهم ويؤثر على قدرتهم على الصمود.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه اليمن تحديات أمنية كبيرة، بما في ذلك انتشار الجماعات الإرهابية وتصاعد عمليات التهريب والاتجار بالأسلحة. وتشكل هذه التحديات تهديدًا للاستقرار الإقليمي، وتتطلب تضافر الجهود الدولية والإقليمية لمواجهتها.

في المقابل، يرى البعض أن هذه الإجراءات من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي هي محاولة لفرض سيطرة كاملة على الموارد الاقتصادية في حضرموت والمهرة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في هذه المناطق.

الوضع في اليمن لا يزال معقداً وغير مستقر. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيداً من التطورات والمفاوضات بين الأطراف اليمنية. ويعتمد مستقبل عملية السلام على قدرة هذه الأطراف على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، تلبي تطلعات جميع اليمنيين وتحقق الاستقرار والازدهار للبلاد.

من المنتظر أن يعقد مجلس القيادة الرئاسي اليمني اجتماعاً طارئاً خلال الأسبوع القادم لمناقشة هذه التطورات واتخاذ الإجراءات اللازمة. كما من المتوقع أن يرسل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، جهوداً مكثفة لتهدئة الأوضاع وإعادة الأطراف اليمنية إلى طاولة المفاوضات. يبقى مستقبل هذه الجهود غير واضحاً، ويتوقف على مدى استعداد الأطراف اليمنية للتعاون والتنازل.

شاركها.