صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح مشروع قانون موازنة وزارة الدفاع لعام 2026، والذي يتضمن بندًا مثيرًا للجدل لإلغاء عقوبات قيصر المفروضة على سوريا. يأتي هذا القرار بعد موافقة مماثلة من مجلس النواب، مما يمهد الطريق لإلغاء هذه العقوبات بشكل نهائي، وهو ما قد يمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه دمشق.
القرار الذي اتخذه مجلس الشيوخ، بأغلبية 77 صوتًا مقابل 20، يمثل خطوة حاسمة نحو إنهاء القيود الاقتصادية التي استهدفت سوريا منذ عام 2019. ومن المتوقع أن يحيل مشروع القانون إلى الرئيس الأمريكي للمصادقة النهائية عليه، ليصبح قانونًا نافذًا. هذا التطور يأتي في أعقاب تعليق وزارة الخزانة الأمريكية فرض العقوبات بموجب قانون قيصر لمدة 180 يومًا في نوفمبر الماضي.
تأثير إلغاء عقوبات قيصر على الاقتصاد السوري
يهدف إلغاء العقوبات إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية على سوريا، والسماح بتدفق الاستثمارات والتجارة الدولية. من شأن ذلك أن يسهل عمليات التحويلات المالية الخارجية، ويعزز الاستيراد والتصدير، ويعيد الثقة بالنظام المصرفي السوري الذي تضرر بشدة خلال سنوات العقوبات. تأمل الحكومة السورية الجديدة في أن يؤدي هذا الإجراء إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
تراهن دمشق على عودة الاستثمارات المحلية والعربية والدولية بشكل تدريجي، بالإضافة إلى تدفق الشركات الأجنبية الراغبة في استكشاف الفرص المتاحة. كما تسعى الحكومة إلى إعادة ربط النظام المصرفي السوري بالنظام المالي العالمي، مما سيمكنه من المشاركة في التجارة الدولية والوصول إلى التمويل.
الخلفية السياسية: التقارب الأمريكي السوري
يعكس هذا التطور تحولًا ملحوظًا في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا. فقد شهدت الأشهر الأخيرة لقاءات دبلوماسية رفيعة المستوى بين مسؤولين أمريكيين وسوريين، بما في ذلك لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية في مايو الماضي، واستقبال الشرع في البيت الأبيض في نوفمبر الماضي. هذه اللقاءات، التي تعتبر الأولى من نوعها منذ استقلال سوريا عام 1946، تشير إلى رغبة أمريكية في إعادة بناء العلاقات مع دمشق.
يأتي التقارب الأمريكي السوري في ظل تغيرات جيوسياسية إقليمية وعالمية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط. وتشير بعض التحليلات إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد شريك إقليمي جديد في سوريا لمواجهة النفوذ المتزايد لإيران وروسيا.
قانون قيصر: تاريخ وتفاصيل
تم إقرار قانون قيصر عام 2019، وهو قانون أمريكي يهدف إلى معاقبة الحكومة السورية والأفراد والكيانات المرتبطة بها. ويفرض القانون عقوبات على أي شخص يتعامل مع الحكومة السورية أو يقدم لها الدعم المالي أو الاقتصادي. ويعتبر هذا القانون من بين أقسى العقوبات التي فرضت على سوريا على الإطلاق.
استهدف القانون بشكل خاص قطاعات الطاقة والدفاع والإعمار في سوريا، بهدف منع إعادة إعمار البلاد وتقويض قدرة الحكومة على تمويل أنشطتها. وقد أدى القانون إلى تدهور كبير في الاقتصاد السوري، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ونقص في السلع الأساسية.
بالإضافة إلى عقوبات قيصر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أخرى على سوريا، بما في ذلك عقوبات على الأفراد والكيانات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. وتشمل العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر.
التحديات المستقبلية
على الرغم من إلغاء عقوبات قيصر، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري. وتشمل هذه التحديات نقص الاستثمارات، وتدهور البنية التحتية، وعدم الاستقرار السياسي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال هناك قلق بشأن الشفافية والمساءلة في النظام السوري.
من المتوقع أن يستغرق التعافي الاقتصادي السوري وقتًا طويلاً، ويتطلب جهودًا كبيرة من الحكومة السورية والمجتمع الدولي. وسيكون من الضروري معالجة القضايا الهيكلية في الاقتصاد السوري، وتعزيز الحوكمة، وتحسين بيئة الأعمال.
الخطوة التالية هي انتظار مصادقة الرئيس الأمريكي على مشروع القانون. في حال المصادقة، سيتم إلغاء العقوبات رسميًا، ولكن من المهم مراقبة كيفية استجابة القطاعات الاقتصادية المختلفة لهذا التغيير، وما إذا كانت الاستثمارات الأجنبية ستتدفق إلى سوريا بالقدر المتوقع. كما يجب متابعة التطورات السياسية والإقليمية التي قد تؤثر على مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا.





