في عام 1990 أدين 5 مراهقين من السود واللاتينيين والذين أصبحوا معروفين باسم “5 سنترال بارك” ظلما بتهمة مهاجمة واغتصاب تريشا ميلي التي كانت تمارس رياضة الجري، وهي امرأة بيضاء تبلغ من العمر 28 عاما، وظلت في غيبوبة لمدة 12 يوما بعد الحادث الذي وقع في أبريل/نيسان 1989.

ورغم تبرئة المراهقين الخمسة وهم: كيفن ريتشاردسون، وريموند سانتانا، وأنطرون ماكراي، ويوسف سلام، وكوري وايز، وهم الآن في الخمسينيات من أعمارهم فإنهم وجدوا أنفسهم الآن في خضم معركة قانونية أخرى، إذ رفع الرجال الخمسة أمس الاثنين دعوى قضائية في ولاية بنسلفانيا ضد الرئيس السابق دونالد ترامب، متهمين إياه بتصريحات “كاذبة وتشهيرية” أدلى بها خلال المناظرة الرئاسية في سبتمبر/أيلول الماضي مع نائبة الرئيس كامالا هاريس.

فلماذا يقاضي هؤلاء الخمسة ترامب؟ وكيف ردت حملته؟

في المناظرة الرئاسية التي أجريت في سبتمبر/أيلول الماضي بين ترامب وهاريس قال ترامب إنه في وقت عملية الاستجواب في عام 1989 “اعترف المراهقون وقالوا إنهم أقروا بالذنب، وقلت لهم: حسنا، إذا أقروا بالذنب فإنهم ألحقوا أذى بالغا بشخص ما وقتلوا شخصا في النهاية”.

وفي الواقع، لم يسفر الهجوم الذي وقع عام 1989 عن مقتل أحد، تعرضت ميلي لإصابات بالغة ودخلت في غيبوبة، وما زالت تعاني من الآثار الطويلة الأمد للهجوم، ولكنها نجت.

وكان ترامب مخطئا أيضا في ادعائه بأن المتهمين الخمسة في هجوم سنترال بارك اعترفوا بالذنب، فطوال المحاكمة أصروا جميعا على أنهم أبرياء كما أكد محاموهم في دعواهم القضائية المرفوعة ضد ترامب، وتقول الدعوى القضائية إن تعليقات ترامب خلال المناظرة أهملت وتجاهلت وزيفت الحقائق.

وأثناء استجوابهم من قبل الشرطة في ذلك الوقت قال 4 من الخمسة الذين اعتقلوا في سنترال بارك إنهم شاركوا في الاعتداء، لكن العديد من الخبراء القانونيين اتهموا المحققين بوضع الشبان الخمسة تحت الإكراه، وبالتالي إجبار 4 منهم على الاعتراف زورا بالاعتداء على ميلي واغتصابها، وتراوحت أحكامهم بالسجن بين 6 و13 عاما.

وفي عام 2002 تمت تبرئة الخمسة من الجريمة بعد أن اعترف ماتياس رييس -وهو مغتصب متسلسل مدان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة لارتكاب جرائم غير ذات صلة- بالاعتداء على ميلي.

وقد تطابق الحمض النووي لرييس مع الأدلة التي تم جمعها في مسرح الجريمة، الأمر الذي دفع القاضي من المحكمة العليا لولاية نيويورك إلى منح طلب لإلغاء إدانات الخمسة المتهمين في قضية سنترال بارك.

وفي عام 2014 رفع الرجال الخمسة دعوى مدنية ضد مدينة نيويورك، ووافقت المدينة على تسوية بقيمة 41 مليون دولار.

وفي عام 2016 حصل الرجال على مبلغ إضافي قدره 3.9 ملايين دولار في تسوية من محكمة المطالبات بولاية نيويورك.

ماذا فعل ترامب؟

وأثار الهجوم على ميلي موجة من الغضب على نطاق واسع في ذلك الوقت، فقد تم العثور عليها عارية ومكممة الفم، وكانت جمجمتها مكسورة بشكل سيئ لدرجة أن عينها اليسرى خرجت من محجرها.

وفي خضم التركيز المحموم من جانب وسائل الإعلام على القضية في عام 1989 نشر ترامب إعلانات على صفحة كاملة تحتوي على 600 كلمة تحمل توقيعه في صحف نيويورك تايمز، وديلي نيوز، ونيويورك بوست، ونيويورك نيوزداي، داعيا إلى إعادة فرض عقوبة الإعدام.

وكان عنوان الإعلانات “أعيدوا عقوبة الإعدام، أعيدوا شرطتنا”، وجاء في الإعلان “هؤلاء اللصوص والقتلة يجب إجبارهم على المعاناة، وعندما يقتلون يجب إعدامهم عقابا لجرائمهم، يجب أن يكونوا قدوة للآخرين حتى يفكروا مليا قبل ارتكاب جريمة أو عمل من أعمال العنف”.

ورغم تبرئتهم لاحقا فإن ترامب لم يعتذر قط عن تلك الإعلانات.

وقالت شانين سبيكتر محامية المدعين في بيان إن تصريحات ترامب “ألقت بهم في ضوء زائف ضار وألحقت بهم عمدا ضائقة عاطفية”.

كيف ردت حملة ترامب؟

لكن المتحدث باسم حملة ترامب ستيفن تشيونغ وصف الدعوى القضائية في بيان بأنها “مجرد دعوى تافهة أخرى تتعلق بالتدخل في الانتخابات”.

وزعم تشيونغ أن الدعوى القضائية تهدف إلى تشتيت انتباه “الشعب الأميركي عن أجندة كامالا هاريس الليبرالية الخطيرة وحملتها الفاشلة”.

وقال -في إشارة إلى موعد الانتخابات- “إن الجهود القانونية المحمومة التي يبذلها حلفاء كامالا الكاذبة للتدخل في الانتخابات لن تؤدي إلى أي شيء والرئيس ترامب يهيمن، وهو يسير نحو فوز تاريخي للشعب الأميركي في 5 نوفمبر”.

هل يمكن أن تؤثر الدعوى على حملة ترامب؟

في المناظرة الرئاسية في سبتمبر/أيلول الماضي وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس/آب واصلت هاريس وأنصارها استهداف ترامب بسبب مواقفه بشأن الخمسة في سنترال بارك.

ففي المناظرة انتقدت هاريس ترامب بسبب الإعلان الذي نشره على صفحة كاملة في عام 1989، وقالت “لنتذكر أن هذا هو نفس الشخص الذي نشر إعلانا على صفحة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز يدعو فيه إلى إعدام 5 من الشباب السود واللاتينيين الأبرياء، وهم الخمسة من سنترال بارك، نشر إعلانا على صفحة كاملة يدعو فيه إلى إعدامهم”، مضيفة “أعتقد أن الشعب الأميركي يريد أفضل من ذلك، يريد أفضل من هذا”.

وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي استدعى الناشط في مجال الحقوق المدنية آل شاربتون مجموعة “5 من سنترال بارك” إلى المسرح للتحدث ضد ترامب، وقال في إشارة إلى ترامب “لقد أنفق ثروة صغيرة على إعلانات على صفحة كاملة تدعو إلى إعدام 5 مراهقين أبرياء”.

وقال يوسف سلام -وهو أحد الخمسة- في إشارة إلى ترامب الرئيس الـ45 للبلاد “أرادت مجموعة الـ45 قتلنا، واليوم تمت تبرئتنا لأن الجاني الفعلي اعترف وأثبت الحمض النووي ذلك، لا يزال (ترامب) يقول إنه لا يزال متمسكا بحكم الإدانة الأصلي، إنه يرفض الأدلة العلمية بدلا من الاعتراف بأنه كان مخطئا”.

شاركها.