في خضم تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، كشف تسريب صحفي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” عن خطة أمريكية مزعومة تحمل اسم “الصندوق العظيم”، والتي تقترح إعادة تشكيل قطاع غزة بشكل جذري تحت مسمى “إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية”.
الخطة التي وصفت بأنها جزء من رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تثير جدلا واسعا، وسط اتهامات بأنها تستهدف التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين تحت غطاء إعادة الإعمار.
جوهر الخطة: “ريفيرا غزة”
بحسب التسريبات، تتخيل الخطة تحويل غزة إلى منطقة شاطئية مزدهرة تشبه “الريفييرا”، تضم ثماني مدن كبرى عالية التقنية، يمر من خلالها مجرى مائي صناعي، وتستخدم الذكاء الاصطناعي في بنيتها التحتية. يتم تصوير المشروع كـ”مدينة ساحلية صاخبة”، تستقطب استثمارات عالمية بقيمة قد تصل إلى 100 مليار دولار.
لكن خلف هذا التصور الوردي، تكشف التفاصيل عن اقتراح بنقل مؤقت – أو دائم – لأكثر من مليوني فلسطيني من سكان غزة. تنص الخطة على تشجيع الفلسطينيين على “الانتقال الطوعي” إلى دول أخرى أو إلى “مناطق آمنة ومحظورة” داخل القطاع خلال فترة إعادة الإعمار.
“الصندوق العظيم”: من يدفع؟ ولمن؟
لا تعتمد الخطة على تمويل حكومي أمريكي، بل يفترض أن يتم تمويلها من خلال استثمارات خاصة، وتديرها مؤسسة تدعى “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي كيان مدعوم من الولايات المتحدة وإسرائيل، وبتخطيط مالي من مجموعة بوسطن الاستشارية.
ويمنح هذا “الصندوق العظيم” رموزًا رقمية لأصحاب الأراضي، تستخدم كضمانات لإعادة تطوير ممتلكاتهم أو تمويل بداية جديدة لهم في مكان آخر.
كما تتضمن الخطة إنشاء مجمع صناعي باسم “إيلون ماسك” على أنقاض منطقة إيريز الصناعية، التي كانت سابقا مكانا لاستغلال العمالة الفلسطينية الرخيصة، قبل أن تدمرها إسرائيل.
مخطط للترحيل الجماعي
أثارت الخطة ردود فعل غاضبة من منظمات حقوقية وخبراء دوليين. فيليب غرانت، المدير التنفيذي لمنظمة “ترايل إنترناشونال” السويسرية، وصف الخطة بأنها “مخطط للترحيل الجماعي يسوق على أنه مشروع تنموي”.
وأضاف:”النتيجة؟ حالة نموذجية لجرائم دولية: نقل قسري للسكان، هندسة ديموغرافية، وعقاب جماعي على نطاق واسع”.
وصف آخرون الخطة بأنها “محاولة مجنونة” لتوفير غطاء شرعي لتطهير عرقي ضد الفلسطينيين، يتم فيه تحويل المعاناة الإنسانية إلى مشروع استثماري، وستخدم التكنولوجيا كأداة للهيمنة السياسية.
الغموض الأمريكي
حتى الآن، لم يرد أي تأكيد رسمي من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية بشأن تبني هذه الخطة. ورفض الطرفان التعليق على التسريبات، مما يبقي الباب مفتوحا أمام التكهنات.
لكن بحسب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن الخطة تعكس طموحا سابقا لدونالد ترامب بـ”تطهير” غزة من سكانها وإعادة تطويرها وفق تصورات اقتصادية تخدم مصالح إسرائيلية وغربية.
المآلات المحتملة
تكشف هذه الخطة عن تحول مقلق في الطريقة التي يتم التعامل بها مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فبدلاً من التركيز على حلول عادلة ودائمة تحترم حقوق الإنسان، يتم طرح مشاريع تجمل عمليات الإجلاء القسري تحت شعارات اقتصادية براقة.
الخطة لا تنطوي فقط على إزالة سكان غزة مؤقتا، بل تعيد رسم الخريطة الديموغرافية والجغرافية للمنطقة، وتفتح الباب أمام مشاريع استيطانية واقتصادية واسعة النطاق تستثني الفلسطينيين من دور فعال فيها.