بينما تسعى الأطراف المعنية إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتزايد المخاوف بشأن استمرار إسرائيل في انتهاك بنود الاتفاق، وهو ما يثير تساؤلات حول التزامها الحقيقي بتنفيذ ما عليها من مسؤوليات. هذا الوضع يعيق جهود الوساطة الدولية ويضع مستقبل الهدنة في القطاع على المحك.
ففي الوقت الذي تجري فيه الولايات المتحدة، بالتنسيق مع قطر ومصر وتركيا، مراجعة مستجدات المرحلة الأولى ومناقشة الخطوات اللازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية، قصفت إسرائيل مبنى يضم نازحين في حي التفاح بغزة، مما أسفر عن مقتل سبعة فلسطينيين وإصابة آخرين. هذه الحادثة تزيد من تعقيد المشهد وتضع ضغوطًا إضافية على جهود الوساطة.
تحديات تواجه تنفيذ اتفاق غزة
أصدر المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في بيان مشترك، دعوة إلى الأطراف للالتزام بتعهداتها وضبط النفس، مؤكدًا على التزام الوسطاء الكامل بجميع بنود خطة السلام. البيان، الصادر بعد اجتماع في ميامي جمع ممثلين عن الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا، شدد على ضرورة تمكين هيئة حكم موحدة في غزة لحماية المدنيين والنظام العام.
بالتزامن مع ذلك، أصدرت قطر ومصر وتركيا بيانًا مشتركًا أثنت على نتائج المرحلة الأولى وأكدت أن الهيئة الحاكمة لغزة ستكون تحت سلطة موحدة من القطاع، كجزء من المرحلة الثانية من الاتفاق. هذا التأكيد يعكس حرص هذه الدول على تحقيق الاستقرار في غزة وتجنب أي تدهور إضافي في الأوضاع الإنسانية.
دور الولايات المتحدة في جهود الوساطة
يحمل الاجتماع الأخير أهمية خاصة، حيث يسبق محادثات مرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لبحث سبل مواصلة تنفيذ الاتفاق. ويرى خبراء أن الموقف الإسرائيلي يمثل أكبر العقبات أمام الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهو ما قد يؤثر على جهود واشنطن التي تعتبر اتفاق غزة من أبرز إنجازات ترامب.
يُعتقد أن نتنياهو لا يرغب في الانسحاب الكامل من غزة بعد استعادة الأسرى، ويسعى إلى إبقاء حالة الحرب قائمة. في المقابل، تسعى واشنطن إلى تحقيق نوع من الاستقرار في المنطقة، وهو ما يتطلب تعاونًا إسرائيليًا فعالًا في تنفيذ الاتفاق.
الضغط على نتنياهو وتوقعات المرحلة القادمة
ويرى محللون أن قطر ومصر وتركيا يسعون إلى الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه نتنياهو، الذي لا يبدي تعاونًا كافيًا في تنفيذ الاتفاق. هذا الضغط يأتي في ظل مخاوف من أن إسرائيل قد تسعى إلى تقويض جهود الوساطة وتأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهدنة.
في هذا السياق، يشير البعض إلى أن العديد من الدول تتردد في الانضمام إلى القوة الدولية المراد تشكيلها في غزة، ما يتطلب تسريع عملية تشكيل هذه القوة وتحديد مهامها بوضوح. ويعتبر نزع السلاح من المقاومة شرطًا أساسيًا للمرحلة الثانية، وهو ما يثير جدلاً واسعًا بين الأطراف المعنية.
ومع ذلك، يرى آخرون أن التركيز يجب أن يكون على الالتزام بالتراتبية الزمنية المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي وبيانات المبعوثين، وأن واشنطن يجب أن تلعب دورًا أكثر فعالية في ضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل.
مستقبل مفاوضات السلام
يبدو أن الرئيس ترامب قد اصطدم بواقع معقد عند محاولة تنفيذ خطته للسلام في غزة، حيث يواجه صعوبات في التوفيق بين الأهداف الإسرائيلية والأميركية من جهة، والمصالح الفلسطينية والعربية من جهة أخرى. ويرى خبراء أن الإدارة الأميركية رهنت نجاح الخطة بقدرة ترامب الشخصية على تذليل العقبات، لكنها فوجئت بعجزه عن التعامل مع رفض بعض الدول المشاركة في القوة الدولية.
الوضع الحالي يشير إلى أن نتنياهو قد يسعى خلال زيارته المقبلة لواشنطن إلى الحصول على دعم أميركي لمواصلة القتال في جبهات أخرى مقابل تبريد جبهة غزة. لكن الوسطاء العرب والمسلمين يرفضون هذا السيناريو، ويسعون إلى ضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل وشامل. مستقبل الهدنة في غزة يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول وسط ترضي جميع الأطراف وتضمن الاستقرار في المنطقة. من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تطورات حاسمة في هذا الصدد، خاصة بعد محادثات ترامب ونتنياهو. يبقى التحدي الأكبر هو بناء الثقة بين الأطراف وتجنب أي تصعيد إضافي قد يعيق جهود السلام.






