سجّلت الأسهم الأميركية مستويات قياسية جديدة بدعم من بيانات اقتصادية قوية، لكن متعاملي “وول ستريت” أحجموا عن القيام بتحركات كبيرة في انتظار بيانات التضخم التي قد توفّر مزيداً من المؤشرات حول وتيرة خفض أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي. وارتفعت عوائد سندات الخزانة القصيرة الأجل، فيما تراجع الدولار.
قبل 24 ساعة فقط من صدور المؤشر المفضل للفيدرالي لقياس الأسعار، أظهرت البيانات أن الاقتصاد الأميركي توسّع بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في البداية، ما يعكس متانة الإنفاق الاستهلاكي، الذي يعتبر محرك النمو الأساسي في الولايات المتحدة.
وبينما تُخفف هذه الأرقام المخاوف من ركود، فإنها تثير تساؤلات حول آفاق التضخم. إذ يُتوقّع أن يُظهر تقرير الجمعة ارتفاع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يستثني الغذاء والطاقة بنسبة 2.9% في يوليو على أساس سنوي، وهي أسرع وتيرة في خمسة أشهر.
وقال بريت كينويل من “إيتورو” إن صدور “نتائج متماشية مع التوقعات أو أقل ستعزز ثقة المستثمرين في خفض الفائدة خلال سبتمبر. أما الأرقام الأعلى فقد لا تلغي قرار الخفض، لكنها قد تؤثر سلباً على المزاج العام في وول ستريت مع تنامي المخاوف من التضخم”.
أداء الأسهم والقطاعات
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” متجاوزاً مستوى 6500 نقطة، مدعوماً بمكاسب أسهم التكنولوجيا. وقلّصت “إنفيديا” خسائرها بعدما رفع عدد من المحللين أهدافهم السعرية لسهم الشركة رغم توقعات الشركة غير المبهرة. وفي التداولات المتأخرة، رفعت “ديل تكنولوجيز” توقعاتها السنوية.
وارتفع العائد على السندات لأجل عامين، الأكثر حساسية لسياسة الفائدة، نقطتين أساس إلى 3.63%، فيما واصلت عقود المبادلة تسعير خفض بمقدار ربع نقطة هذا العام بحلول أكتوبر، مع خفض ثانٍ بحلول نهاية العام. وتسعّر السوق نحو 20 نقطة أساس من التيسير لشهر سبتمبر.
بالتزامن مع ذلك، أظهرت البيانات أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ارتفع بمعدل سنوي 3.3% في الربع الثاني، مقارنة بتقديرات أولية عند 3%. وقال كريس زاكاريلي من “نورث لايت أسيت مانجمنت” إن “الاقتصاد يعمل بكامل طاقته، ويجب أن يعزز ذلك ثقة الأسواق في أن المخاوف المتعلقة بالرسوم الجمركية في وقت سابق هذا العام كانت في غير محلها. لكن الأسواق سعّرت بالفعل خفضاً في سبتمبر، ومن المهم أن تبقى بيانات التضخم تحت السيطرة حتى ذلك الحين”.
وأضاف: “رغم قلقنا بشأن التقييمات المرتفعة، إلا أنه لم يكن من الحكمة اتخاذ خطوات استباقية قبل حدوث تراجع فعلي. السوق الصاعدة ما تزال قائمة، ولن تتوقف إلا بصدمة كبيرة مثل الركود”.
التوقعات المستقبلية والعمالة
يرى جيف روتش من “إل بي إل فاينانشال” أن مراجعة أرقام النمو في الربع الثاني صعوداً ترفع السقف لتوقعات الربع الثالث، قائلاً: “تباطؤ نمو الوظائف يشير إلى أن الاقتصاد لن يتمكن من الحفاظ على وتيرة النمو فوق المعدل التي شهدها الربع السابق. النمو سيقترب من حالة استقرار في الربع الثالث، ما سيعزز الدعوات لخفض الفائدة”.
وبحسب جيم بيرد من “بلانت موران فاينانشال أدفايزرز”، فإن التركيز يبقى على التوازن الدقيق بين التضخم المرتفع وسوق العمل التي تظهر إشارات تراجع. وأشار إلى أن رئيس الفيدرالي جيروم باول قدّم بارقة أمل إضافية للمستثمرين خلال خطابه في جاكسون هول الأسبوع الماضي، ملمحاً إلى إمكانية خفض الفائدة في سبتمبر، وإن كانت الخطوات اللاحقة أقل وضوحاً.
وقال بيرد: “إقرار باول بالمخاطر المتزايدة التي تهدد سوق العمل يفتح الباب أمام المزيد من الخفض، حتى لو ظلت أغلب مقاييس التضخم فوق النطاق المستهدف من البنك المركزي”.
انخفضت طلبات إعانة البطالة الأولية إلى 229 ألفاً الأسبوع الماضي، ما يشير إلى أن الشركات ما زالت متمسكة بالعمالة الحالية وسط حالة عدم اليقين. وفي المقابل، قلّصت الشركات من وتيرة التوظيف، فيما يشير ارتفاع طلبات الإعانة المتكررة إلى صعوبة عثور العاطلين عن العمل على وظائف جديدة بسرعة.
“إنفيديا” والأسواق الموسمية
في غضون ذلك، أظهر تقرير الناتج المحلي أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي ارتفع بمعدل 2.5% في الربع الثاني، مطابقاً للتقديرات السابقة.
وقال ستيوارت بول من “بلومبرغ إيكونوميكس” إن التضخم الأساسي سيواصل الارتفاع جزئياً بسبب أسعار الخدمات المالية، لكن تأثير الرسوم الجمركية سيمر بوتيرة أبطأ.
ونظراً لمحاولات متواضعة لارتفاع أسعار الأسهم قبيل صدور بيانات التضخم، فإن أي صعود غير متوقع في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي يعني أن المخاطر قصيرة الأجل ستكون إيجابية، وليست سلبية لبقية الأسبوع، وفقاً لستيف سوسنيك من شركة “إنتراكتيف بروكرز”.
ويقول سوسنيك: “كتبنا أمس عن قدرة أرباح إنفيديا على إضعاف مؤشرات الأسهم الرئيسية أو رفعها بشكل كبير. وحتى الآن، لم تُحقق أياً منهما”. وأضاف: “نظرياً، يُمكن لتقرير نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي غداً أن يُحدث الشيء نفسه، لكن المتداولين يفترضون أنه أيضاً لن يكون له تأثير يُذكر. وهذا على الأرجح أمرٌ حكيم”.
ورغم التوقعات غير الملهمة لـ”إنفيديا”، ظل المحللون متفائلين، إذ رفعت 10 مؤسسات على الأقل أهدافها السعرية للسهم بعد إعلان النتائج، لترتفع التوقعات المتوسطة 3% إلى 202.60 دولار، بحسب بيانات بلومبرغ.
وقال آدم تورنكويست من “إل بي إل فاينانشال” إن الأسواق غالباً ما تشهد تقلبات أكبر في سبتمبر، وهو شهر تاريخياً يُعدّ الأضعف للأسهم. فقد تراجع مؤشر “إس آند بي 500” بمتوسط 0.7% في سبتمبر على مدار 75 عاماً. أما إذا أنهى سبتمبر باللون الأحمر، فكان متوسط الخسارة 3.8%، مقارنة بمكسب متوسط عند 3.2% إذا أنهى المؤشر الشهر باللون الأخضر.
وأضاف: “البيانات الموسمية تعكس المناخ المعتاد للأسواق، لكن ليس الطقس. حالياً، طقس المؤشر مشمس مع قمم قياسية. وعند الأخذ بالزخم الحالي، فإن سبتمبر لا يبدو سيئاً”. وأوضح أنه عندما يكون “إس آند بي 500” فوق متوسطه المتحرك لـ200 يوم قبل دخول سبتمبر، فإن متوسط العائد الشهري يقفز إلى 1.3% مع نتائج إيجابية في 60% من الحالات.
فرص المستثمرين في المرحلة المقبلة
قالت أولريكه هوفمان-بورشارد من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”: “نحن واثقون في النظرة المستقبلية للأسهم ونتوقع وصول مؤشر إس آند بي 500 إلى 6800 نقطة بحلول يونيو 2026”.
وأضافت أن التعرض المتنوع للأسواق سيُمكّن المستثمرين من الاستفادة من النمو المدفوع بالذكاء الاصطناعي، مع فرص أكبر على مستوى الأسهم الفردية والمواضيع الاستثمارية.
وأوصت شركتها بالتركيز على توزيع متوازن عبر سلسلة القيمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مع تفضيل الأسهم المتأخرة في الأداء حالياً التي توفر فرصاً أفضل من حيث المخاطر والعوائد. كما أشارت إلى تفضيل قطاعات الرعاية الصحية والمرافق والخدمات المالية ضمن الأسهم الأميركية.