تراجعت الأسهم الأميركية، مواصلة أسبوعاً من التقلبات في “وول ستريت”، بعدما أثارت قروض متعثرة في مصرفين إقليميين المخاوف بشأن جودة الائتمان في الاقتصاد، وأعادت التذكير بهشاشة السوق الصاعدة البالغة قيمتها 28 تريليون دولار. في المقابل، هبطت “بيتكوين”، بينما ارتفعت السندات والذهب.
بعد ارتفاع أولي بدعم من توقعات قوية جديدة للطلب على الذكاء الاصطناعي، تحوّل مؤشر “إس آند بي 500” إلى الانخفاض، عقب إعلان مصرفين إقليميين عن مشاكل في قروض مرتبطة بادعاءات احتيال، ما زاد القلق من ظهور مزيد من الثغرات في ملاءة المقترضين الائتمانية.
تراجع سهم “زيونس بانكورب” بنسبة 13% بعدما كشف عن شطب قرض بقيمة 50 مليون دولار تم منحه عبر فرعه المملوك بالكامل “كاليفورنيا بنك آند تراست” في سان دييغو. كما هوى سهم “ويسترن ألاينس بانكورب” بنسبة 11% بعد أن أعلن أنه منح قروضاً لنفس المقترضين.
وقال ستيف سوسنيك من شركة “إنتراكتيف بروكرز”: “حتى الآن، تبدو هذه الحالات محصورة في هذين المصرفين الإقليميين الكبيرين نسبياً”، مضيفاً: “رغم أنهما متشابهان في الحجم والنطاق مع بنك وادي السيليكون الذي تسبب بأزمة قبل نحو عامين ونصف العام عندما انهار، لا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن هذه المشاكل ذات طابع نظامي”.
وجاء تجدد اضطراب أسهم البنوك بالتزامن مع انهيار دراماتيكي لمقرض السيارات منخفض التصنيف “تريكولور هولدينغز”، ما ألحق ضرراً بمصرف ضخم مثل “جيه بي مورغان تشيس آند كو” خلال الربع الثالث، حيث ساهم في شطب خسائر بقيمة 170 مليون دولار رفعت تكلفة الائتمان، وأثارت تحذيراً من الرئيس التنفيذي جيمي ديمون.
أحدثت هذه المخاوف المصرفية اضطراباً في الأسواق بعد أقل من أسبوع من تجدد الحرب التجارية، وسط قلق متزايد بسبب نقص البيانات الاقتصادية الرسمية الناتج عن إغلاق الحكومة الأميركية.
هبط مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.6%، وخسر صندوق المؤشرات المتداولة للمصارف الإقليمية أكثر من 6%. في المقابل، قفز سهم “أوراكل كورب.” بعد إعلان توقعات بهوامش ربح قوية في مشاريع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ومن المقرر أن تنتهي صلاحية عقود خيارات بقيمة 3.4 تريليون دولار يوم الجمعة، بحسب “غولدمان ساكس”.
الذهب يسجل ذروة جديدة وعوائد السندات تتراجع
انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى ما دون 4%، بينما تراجعت عوائد السندات لأجل عامين إلى أدنى مستوى منذ 2022. وسجّل الذهب مستوى قياسياً جديداً.
وفي سياق حديثه عن “زيونس”، كتب ديفيد سميث المحلل في “تروست”: “هل يُعدّ أمراً جيداً أم سيئاً من الناحية الائتمانية أن هذه القروض تعثرت بسبب احتيال بدلاً من ظروف العمل العادية؟ في الحالتين، كانت هناك بالفعل حالات متفرقة كثيرة في القروض التجارية مؤخراً، ما يدفع المستثمرين إلى البيع أولاً وطرح الأسئلة لاحقاً”.
وأضاف كريستوفر مكراتي من “كي بي دبليو” أنه “حتى مع تقليص ويسترن ألاينس خسائره، فإن ظهور مزيد من هذه القروض الفردية في القطاع يؤثر سلباً على معنويات المستثمرين، خصوصاً في الأسهم الحساسة ائتمانياً”.
ترمب وبوتين سيلتقيان في بودابست
راقب المتعاملون أيضاً التطورات الجيوسياسية، إذ اتفق الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على عقد لقاء في بودابست، خلال مكالمة هاتفية استمرت ساعتين. وجاءت المحادثة قبل يوم من اجتماع ترمب في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
كما جذبت تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي اهتمام الأسواق، إذ قال المحافظ كريستوفر والر إن المسؤولين يمكنهم مواصلة خفض أسعار الفائدة تدريجياً بمقدار ربع نقطة مئوية لدعم سوق العمل المتعثرة، بينما دعا ستيفن ميران إلى خفض أكبر.
وقال بريت كينويل من منصة “إيتورو”: “مع تقييد الإغلاق الحكومي لكمية البيانات الاقتصادية المتاحة للمستثمرين، سيتعين عليهم الاعتماد على أرباح الشركات لتحديد الاتجاه قصير المدى”، مضيفاً أن “نتائج الأرباح قد تثبّت المسار أو تزيد الاضطراب، ويأمل المستثمرون المتفائلون بالسيناريو الأول”.
تصاعد المخاوف من تباطؤ النمو
رأى استراتيجيون في “سيتي غروب” بقيادة بيتا مانثي أن السوق الصاعدة قد تدخل مرحلة أكثر تقلباً، مشيرين إلى أن عودة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ترفع المخاطر وتجعل طريق الحل أكثر تعقيداً.
هيمنت خطة الصين غير المسبوقة لفرض قيود على صادرات سلسلة إمدادات المعادن النادرة على اجتماعات قادة الاقتصاد العالمي في واشنطن هذا الأسبوع، حيث لمح وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى تشكيل تحالف جديد، قائلاً إن المسؤولين الأميركيين “يتحدثون مع الحلفاء الأوروبيين ومع أستراليا وكندا والهند والديمقراطيات الآسيوية” من أجل بلورة رد شامل.
وقال دانيال سكيلي، رئيس قسم أبحاث واستراتيجيات السوق في “مورغان ستانلي لإدارة الثروات”: “رغم تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تبقى القاعدة الأساسية لمستثمري الأسهم هي التركيز على الشركات الكبرى عالية الجودة”.
وأضاف أنه “على الرغم من عدم وجود ركود في الأفق، فإن تباطؤ سوق العمل والنمو الاقتصادي قد يشكل تحدياً أمام الشركات الصغيرة وغير المربحة التي استفادت من موجة الارتفاع منذ قاع أبريل”.
تراجع التفاؤل بين المستثمرين
في مؤشر آخر على الحذر في السوق، أظهر أحدث استطلاع لـ”رابطة المستثمرين الأفراد الأميركية” أن نسبة التفاؤل تراجعت إلى 33.7% في الأسبوع المنتهي في 15 أكتوبر، مقابل 45.9% في الأسبوع السابق.
وكتب محللو “بيسبوك إنفستمنت غروب”: “لقد كان أسبوعاً متقلباً بعض الشيء للأسهم الأميركية، لكن بمعايير أكتوبر، من الصعب المبالغة في القلق”.
وأشاروا إلى أنه “بينما ظل التفاؤل قريباً من 50% طوال عام 2024 خلال موجة الصعود، فإن المستثمرين أقل استعداداً الآن للانضمام إلى الركب، ويرجع ذلك جزئياً إلى موسم الأرباح المقبل، والمخاوف من أن التوقعات قد تكون مفرطة في التفاؤل”، مضيفين أن “ذلك لم يظهر بالضرورة في النتائج حتى الآن”.
استمرار الزخم في الإنفاق على الذكاء الاصطناعي
قال رايان غرابينسكي من “ستراتيغاس” إن أحد الاتجاهات الواضحة هو أن الإنفاق المتعلق بالذكاء الاصطناعي لا يزال قوياً من حيث القيمة، على الأقل في الوقت الحالي.
وأظهرت نتائج شركة “تايوان سيميكونداكتور مانوفاكتشرينغ” أنها من أكبر المستفيدين من موجة الإنفاق على بنية الذكاء الاصطناعي التحتية. ومن “أوبن إيه آي” إلى “أوراكل كورب”، تتسابق الشركات الكبرى لبناء مراكز البيانات التي تشغّل هذه التقنية في حقبة ما بعد “تشات جي بي تي”.
وجاءت التوقعات المرتفعة للشركة بعد يوم من توقعات شركة “إيه إس إم إل هولدينغ” التي أشارت إلى طلب قوي على الذكاء الاصطناعي.
وقال غرابينسكي: “تشير المؤشرات الأولية إلى أن سردية الذكاء الاصطناعي لا تزال قوية في الوقت الراهن، وأتوقع أن تعكس الشركات الأميركية الصورة ذاتها”.
ووفقاً لفؤاد رزاق زادة من “فوركس. كوم” و”سيتي إندكس”، فإن الانتعاش المذهل، على الرغم من جميع الأخبار والمخاطر الأخرى في الأيام الأخيرة، يؤكد أهمية التداول مع الاتجاه.
وقال: “إذا كنت تتجه عكس الاتجاه الصعودي السائد، فمن الضروري دائماً جني أرباح سريعة والانتقال إلى الفرصة التالية، لأنه كما يتضح من حركة الأسعار هذا الأسبوع، فقد تعافى المؤشر تقريباً تماماً بسبب قوة الاتجاه”.
المتداولون الأفراد يشترون كل انخفاض
رغم التقلبات، يواصل المستثمرون الأفراد التمسك باستراتيجيتهم المعهودة هذا العام: شراء كل هبوط في السوق.
وكتب سكوت روبنر، رئيس استراتيجية الأسهم والمشتقات في “سيتادل سيكيوريتيز”، في مذكرة للعملاء هذا الأسبوع: “لا يزال إيمان المستثمرين الأفراد بصعود السوق استثنائياً”.
يتناقض ميل المستثمرين الأفراد إلى المخاطرة مع توجهات العملاء المؤسسيين، وهم فئة كانت منشغلة بشراء أدوات التحوط يوم الجمعة، وفقاً لبيانات “روبنر”. وقد أصبحوا الآن أكثر ميلاً للمراهنة على انخفاض سوق الأسهم من ارتفاعها خلال ثمانية أسابيع من الأسابيع التسعة الماضية.
وقال كينويل من “إيتورو”: “إذا حدث تراجع أكبر هذا الشهر، فقد يرى المستثمرون الأفراد في ذلك فرصة، بشرط أن تبقى المحركات الأساسية والفنية، مثل مستويات الدعم الرئيسية ونمو الأرباح وخفض أسعار الفائدة، على حالها”.