ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية بدعم من انتعاش أسهم التكنولوجيا الكبرى مع تراجع التوترات التجارية قبيل صدور بيانات التضخم، فيما تجاهل متداولو الأسهم المخاوف من تأثير ارتفاع أسعار النفط على معدلات الأسعار. وتراجعت السندات.

اقترب مؤشر “إس آند بي 500” من مستوياته القياسية بعد أن أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيلتقي نظيره الصيني شي جين بينغ في 30 أكتوبر.

وعوّضت شركة “تسلا” خسائرها التي أعقبت نتائج الأرباح لتقود مكاسب الشركات الكبرى، بينما ارتفعت أسهم شركات الطاقة بالتزامن مع صعود أسعار النفط، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على أكبر شركات النفط الروسية في محاولة لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

وجاء الارتفاع في الأسهم وسط آمال بأن أكبر اقتصادين في العالم سيتجهان إلى خفض التصعيد في الحرب التجارية. وفي الوقت نفسه، تدرس إدارة ترمب تقديم حوافز لتقنيات الحوسبة الكمية في إطار جهودها لمواجهة الصين، ما حفّز موجة صعود في هذا القطاع.

تفاؤل المستثمرين رغم التقلبات الأخيرة

رغم زيادة التقلّبات في الآونة الأخيرة بقيت التراجعات محدودة، إذ يعتبر المستثمرون الأفراد هذه الفترات فرصاً لزيادة المخاطر في ظل قوة الشركات الأميركية الكبرى.

وقال مارك هاكيت من “نايشن وايد” إن “التقييمات تبقى الحجة الأقوى للمتشائمين، لكن إصرار المستثمرين على الشراء عند الانخفاضات، جعل حتى أكثر المتشائمين يعيدون النظر في توقعاتهم”.

حتى الارتفاع الكبير في أسعار النفط لم يثنِ “وول ستريت” عن موجة الشراء. وبينما تستعد الأسواق المالية لاحتمال خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل، من المرجح أن يتجاهل المستثمرون أي مؤشرات على استمرار التضخم في تقرير مؤشر أسعار المستهلكين المنتظر يوم الجمعة.

أغلق مؤشر “إس آند بي 500” قرب مستوى 6,740 نقطة، وارتفع “ناسداك 100” بنحو 1%. وصعدت أسهم “تسلا” بأكثر من 2%. وفي التداولات الممتدة، قدّمت “إنتل” توقعات متفائلة للإيرادات، فيما توقعت “فورد موتور” انخفاض أرباحها بما يصل إلى ملياري دولار بسبب حريق في أحد مورديها الرئيسيين.

وقفز خام غرب تكساس الوسيط بنحو 5.5%. وارتفعت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار 6 نقاط أساس لتصل إلى 4%. وتوقفت خسائر الذهب، بينما تذبذب الدولار. وقفزت عملة “باينانس كوين” بعد أن حصل مؤسس المنصة المشارك تشانغبينغ جاو على عفو من ترمب.

صدور بيانات التضخم الأميركية بعد تأجيلها

بعد تأجيلها بسبب إغلاق الحكومة الأميركية، سيصدر مكتب إحصاءات العمل يوم الجمعة بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر سبتمبر، وهي بيانات كانت مقررة في الأصل في 15 أكتوبر، وستوفّر للمسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي مؤشراً أساسياً على مسار التضخم قبل اجتماعهم الأسبوع المقبل.

يتوقع خبراء الاقتصاد الذين استطلعت وكالة “بلومبرغ” آراءهم أن يسجل مؤشر الأسعار الأساسي، الذي يستبعد الغذاء والوقود، ارتفاعاً بنسبة 0.3% للشهر الثالث على التوالي، مع بقاء المعدل السنوي عند 3.1%، إذ تستمر الرسوم الجمركية المرتفعة في التأثير تدريجياً على المستهلكين.

توقعات بخفض جديد للفائدة رغم بقاء التضخم مرتفعاً

رغم بقاء التضخم فوق الهدف الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي، من المتوقع أن يعلن البنك المركزي عن ثاني خفض للفائدة هذا العام، نظراً لهشاشة سوق العمل.

وقالت إميلي باورسوك هيل، الشريكة المؤسسة في “باورسوك كابيتال بارتنرز”: “يمثل تقرير الجمعة أهمية خاصة لأنه أحد البيانات الاقتصادية القليلة التي سنحصل عليها في ظل إغلاق الحكومة”.

لكنها أضافت: “بما أن الفيدرالي يركّز أكثر على سوق العمل، لا نتوقع أن يؤثر تقرير التضخم كثيراً في قرار الأسبوع المقبل. على الأرجح سنشهد خفضين إضافيين هذا العام في أكتوبر وديسمبر”.

رهانات الأسواق وتوقعات المستثمرين

يرى قسم التداول في “جيه بي مورغان تشيس” أن هناك احتمالاً بنسبة 65% لأن يواصل مؤشر “إس آند بي 500” الارتفاع بعد صدور البيانات، رغم توقع المحللين قراءة تضخم مرتفعة.

وقال الفريق الذي يقوده أندرو تايلر إن السيناريوهات المتوقعة لتفاعل الأسهم مع بيانات التضخم ستكون “أقل تقلباً من المعتاد”، إذ إن توقعات المستثمرين بخفض جديد للفائدة قد تعوّض أي قلق مرتبط بالتضخم.

وكتب تايلر في مذكرة للعملاء: “نتفق مع رؤية السوق، ونعتقد أن الأمر سيحتاج إلى مخاطر استثنائية لدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى التوقف عن التيسير”.

وقالت سيما شاه من “برينسيبال أسِت مانجمنت” إن التوقعات السابقة كانت تشير إلى ارتفاع التضخم العام إلى نحو 3.5% بنهاية العام، لكن تمرير أثر التضخم كان حتى الآن أكثر اعتدالاً من المتوقع، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى مزيج من تقلص الهوامش، وتكديس المخزونات مسبقاً، وتحويل مسارات التجارة.

وأضافت: “رغم أن هذه العوامل ساعدت في تخفيف الأثر الأولي، فإنها مؤقتة بطبيعتها. ومع انخفاض المخزونات وتضييق مسارات التجارة واستمرار تقلص الهوامش، قد تضطر الشركات إلى تمرير التكاليف الأعلى إلى المستهلكين. وبالتالي تبقى المخاطر الصعودية قائمة، وإذا امتدت الضغوط السعرية إلى قطاع الخدمات، فقد يشير ذلك إلى اتجاه تضخمي أوسع وأكثر استدامة”.

وتُظهر تقديرات شركتها أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى صدمة تضخمية محدودة لمرة واحدة، مع بقاء التضخم الأساسي قريباً من مستوياته الحالية، قبل أن يتراجع قليلاً في أواخر عام 2026، لكنها أشارت إلى أن خطر حدوث موجة تضخمية مستمرة لا يمكن استبعاده، ما قد يدفع الفيدرالي إلى تبنّي نهج أكثر حذراً في خفض الفائدة.

نظرة المستثمرين واستمرار تفاؤل الأسواق

أظهر استطلاع أجرته “22V ريسيرتش” أن 45% من المستثمرين يتوقعون أن يكون رد فعل السوق على بيانات التضخم إيجابياً (اتجاه نحو المخاطرة)، بينما يرى 26% أنه سيكون سلبياً، و29% يتوقعون تأثيراً محدوداً أو مختلطاً.

وهذه هي المرة الأولى منذ يوليو التي تتفوّق فيها التوقعات الإيجابية. كما أظهر الاستطلاع أن 61% من المستثمرين يعتقدون أن التضخم الأساسي يسير في مسار “مناسب للفيدرالي”، وهي نسبة ارتفعت عن الشهر الماضي.

وترى أولريكه هوفمان-بورخارد من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” أن توقعات التيسير النقدي ونمو الأرباح المستدام والإنفاق على الذكاء الاصطناعي، تدعم الرأي القائل إن السوق الصاعدة في الأسهم ما زالت تملك مساحة للمزيد من الصعود.

وقالت: “رغم أهمية الحفاظ على تعرض كافٍ للأسهم الأميركية، ينبغي للمستثمرين أيضاً تنويع محافظهم. فأي انتكاسة في العلاقات الأميركية الصينية أو مخاوف بشأن استدامة موجة الصعود المدفوعة بالذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى نوبات من التقلب. وفي ظل هذا المشهد، نرى فرصاً جذابة في بعض أسواق الأسهم الآسيوية والسندات عالية الجودة والذهب”.

شاركها.