تواجه الأسواق المالية حالة من الترقب الحذر قبيل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل، حيث يترقب المستثمرون قرارًا بشأن أسعار الفائدة. بعد موجة صعود قوية دفعت أسهم الولايات المتحدة إلى الاقتراب من مستوياتها القياسية، تبدو المكاسب الإضافية محدودة في الوقت الحالي. وشهدت العملة الرقمية “بيتكوين” توقفًا في ارتفاعها، بينما تراجعت أسعار السندات، مما يعكس حالة من عدم اليقين السائدة في السوق. ويراقب المحللون عن كثب تطورات سوق الأسهم بحثًا عن مؤشرات حول المسار المستقبلي للاقتصاد.
لم يشهد مؤشر “إس آند بي 500” تغييرات كبيرة، واستمرت التوقعات بخفض الفائدة من قبل الفيدرالي في التماسك، على الرغم من البيانات الاقتصادية المتباينة، بما في ذلك انخفاض طلبات إعانة البطالة، وهي قراءة غالبًا ما تتأثر بعوامل موسمية مثل عطلة عيد الشكر. تشير هذه البيانات إلى استمرار قوة سوق العمل، مما قد يدفع الفيدرالي إلى تبني موقفًا أكثر حذرًا بشأن خفض أسعار الفائدة.
توقعات متقلبة لـ سوق الأسهم قبل قرار الفيدرالي
شهدت أسهم شركة “ميتا بلاتفورمز” قفزة ملحوظة بنسبة 3.5% بعد تقارير إعلامية أشارت إلى دراسة الشركة إمكانية تخفيض الميزانية المخصصة لمجموعة “ميتافيرس”. يعكس هذا التحول في الاستراتيجية محاولة من الشركة لتبسيط عملياتها والتركيز على المشاريع الأكثر ربحية. كما ارتفع مؤشر الشركات الصغيرة بنسبة تقارب 1%، مما يشير إلى تحسن الثقة في هذا القطاع.
أثارت المخاوف بشأن تجاوز الحماس المحيط بالذكاء الاصطناعي الحدود المعقولة بعض التقلبات في أسعار الأسهم مؤخرًا. ومع ذلك، فإن التوقعات الإيجابية لقطاع التكنولوجيا، بالإضافة إلى الرهانات على أن التيسير النقدي سيساهم في تعزيز أرباح الشركات، تدعم الآمال في تحقيق مكاسب إضافية. يرى خبراء الاقتصاد أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة استثمارية كبيرة على المدى الطويل، ولكنه يحمل أيضًا مخاطر محتملة.
تحليل الخبراء وتأثير البيانات الاقتصادية
أشار فؤاد رزق زاده من “فوركس دوت كوم” إلى أن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان خفض محتمل لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأسبوع المقبل سيؤدي إلى إشعال ارتفاع موسمي في الأسواق خلال فترة الأعياد. وأضاف أن توقعات مؤشر “إس آند بي 500” لا تزال إيجابية بحذر، على الرغم من ظهور بعض التردد. يعتمد أداء الأسهم بشكل كبير على قرارات الفيدرالي وتأثيرها على تكاليف الاقتراض والإنفاق الاستهلاكي.
من جانبه، أوضح مارك نيوتن من “فاندسترات غلوبال أدفايزرز” أن أنماط التداول في الأسبوعين الأولين من شهر ديسمبر قد تكون أكثر تقلبًا مقارنة بنهاية الشهر. ومع ارتفاع الرهانات على خفض الفائدة في ديسمبر إلى مستويات قريبة من اليقين، لفت إلى أن هناك صعودًا تدريجيًا في قطاعات مثل الصناعات والشركات الصغيرة والقطاع المالي. ويعزى هذا الصعود إلى توقعات المستثمرين بتحسن الأداء المالي لهذه القطاعات في ظل بيئة أسعار فائدة منخفضة.
أغلق مؤشر “إس آند بي 500” بالقرب من مستوى 6860 نقطة، وارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بمقدار أربع نقاط أساس إلى 4.1%. وشهد الدولار تذبذبًا طفيفًا، بينما انخفضت قيمة “بيتكوين” إلى ما دون 93 ألف دولار. تعكس هذه التطورات حالة من عدم الاستقرار في الأسواق المالية، حيث يحاول المستثمرون تقييم المخاطر والفرص المتاحة.
فرص استثمارية بعيدة عن التكنولوجيا
أفاد نيوتن بأن التحسن الفني في السوق بعد الارتفاع الحاد من نهاية شهر نوفمبر يتماشى مع بعض العوامل الموسمية الصعودية المتوقعة لهذا الشهر. وعلى الرغم من أن الاتجاهات صعودية، إلا أنه يشير إلى أن العوامل الفنية تدعم مزيدًا من التقلبات حتى صدور قرار الفيدرالي. يجب على المستثمرين أن يكونوا مستعدين لتقلبات الأسعار وأن يتبنوا استراتيجيات إدارة المخاطر المناسبة.
أما كريغ جونسون من “بايبر ساندلر” فقد ذكر أن مؤشر المخاطرة في السوق مرتفع، مدفوعًا بتوقعات خفض الفائدة الأسبوع المقبل، وبتوسع أوسع نحو الأسهم ذات القيمة السوقية الأصغر. ومع ذلك، أضاف أنه لا يزال يتوقع مزيدًا من التراجعات القصيرة مع اقتراب المؤشرات الرئيسية من أعلى مستوياتها خلال العام. يشير هذا إلى أن السوق قد تشهد بعض التصحيحات قبل أن تستأنف مسارها الصعودي.
وأشار خوسيه توريس من “إنترأكتيف بروكرز” إلى أن مؤشر “راسل 2000” الدوري يواصل زخمه الأخير، ويستعد للصعود في بيئة من الأوضاع المالية الأكثر مرونة، إلى جانب اقتصاد لا يزال متينًا. يعتبر هذا المؤشر مقياسًا لأداء الشركات الصغيرة والمتوسطة، وقد يشهد نموًا ملحوظًا في المستقبل.
ترى أولريكه هوفمان-بورشاردت من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية” أن قطاع التكنولوجيا الأميركي سيظل محركًا رئيسيًا للموجة التالية من الصعود في الأسواق المالية، لكن أداءه الضعيف مؤخرًا يشير إلى فرص أخرى جذابة في السوق. مع توقعات بارتفاع الأسهم الأميركية حتى عام 2026، يجب على المستثمرين زيادة تعرضهم للأسهم، مع التركيز على القطاعات التي تتمتع بإمكانيات نمو قوية.
على صعيد الاقتصاد الكلي، انخفضت طلبات إعانة البطالة الأميركية الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوى لها في أكثر من ثلاث سنوات، مما يشير إلى أن الشركات لا تزال متمسكة بالعمال على الرغم من موجة تسريحات حديثة. يعكس هذا التناقض في البيانات حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل سوق العمل.
من المتوقع أن يصدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي قراره بشأن أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، وسيراقب المستثمرون عن كثب تصريحات المسؤولين بحثًا عن مزيد من التوضيح بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية. ستعتمد التطورات المستقبلية في سوق المال بشكل كبير على هذا القرار وتأثيره على الاقتصاد.






