أنهت وول ستريت أسبوعاً قوياً على وتيرة هادئة، إذ استقرت مؤشرات الأسهم الأميركية قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق، فيما تراجعت السندات مع عدم تغيّر توقعات خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة في سبتمبر بعد صدور بيانات المستهلكين.

وبعد موجة صعود متواصلة إلى مستوى قياسي، بالكاد تحرك مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) يوم الجمعة. وسجلت سوق الطروحات الأولية زخماً هذا الأسبوع، مع صفقات جمعت أكثر من 4 مليارات دولار في أنشط فترة منذ 2021. وقفز مؤشر الشركات الكبرى بقيادة “تسلا”، بينما تراجعت أسهم شركات تصنيع اللقاحات بعد تقرير أفاد بأن مسؤولين الصحة يخططون لربط لقاحات “كوفيد” بوفاة أكثر من عشرين طفلاً.

الدولار يتجه لأكبر تراجع أسبوعي في شهر قبيل اجتماع “الفيدرالي”

شهدت السندات الأميركية هبوطاً طفيفاً قلّص مكاسبها التي كانت في طريقها لتسجيل رابع ارتفاع أسبوعي على التوالي. أما الدولار، فيتجه نحو أسوأ أداء أسبوعي له في نحو شهر.

ضعف ثقة المستهلكين

تراجعت ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها منذ مايو، فيما ارتفعت توقعات التضخم طويلة الأجل. يأتي ذلك بعد بيانات أظهرت تباطؤ سوق العمل، ما عزز رهانات المستثمرين على تنفيذ ثلاث تخفيضات للفائدة هذا العام.

قال بيل آدامز من “كوميريكا بنك” (Comerica Bank): “الاحتياطي الفيدرالي يواجه ضغوطاً متعارضة بين التضخم المرتفع من جهة وضعف سوق العمل من جهة أخرى. يمكن توقع المزيد من الخفض في الأشهر المقبلة، والسؤال هو حجم هذه التخفيضات وليس ما إذا كانت ستحدث”.

رهانات على مزيد من الخفض

يرجح اقتصاديون استطلعت “بلومبرغ” آراءهم أن تؤدي مؤشرات ضعف سوق العمل إلى سلسلة تخفيضات للفائدة في الأشهر المقبلة تبدأ الأسبوع القادم. وأظهر متوسط التوقعات تخفيضين بواقع ربع نقطة مئوية هذا العام، بينما يرى أكثر من 40% من المشاركين أن التخفيضات قد تصل إلى ثلاث مرات.

وأضاف خبراء “دويتشه بنك” خفضاً ثالثاً لتوقعاتهم لعام 2025، بعد أن كانوا يتوقعون خفضاً في سبتمبر وآخر في ديسمبر.

في “مورغان ستانلي”، يتوقع اقتصاديون بقيادة مايكل غابن أربع تخفيضات متتالية. وبعد يناير، يرون أن المسؤولين سيتوقفون لتقييم تأثيرات التضخم. وبمجرد أن “يختفي هذا الضجيج”، يتوقعون مزيداً من التخفيضات في أبريل ويوليو.

“مورغان ستانلي” يتوقع خفض الفيدرالي للفائدة 4 مرات حتى يناير

ماذا عن توجيهات الاحتياطي الفيدرالي؟

قال استراتيجيون في “تي دي سيكيوريتيز” (TD Securities) إن التوجيه المرجح الأسبوع المقبل سيكون “مائلاً للتيسير النقدي” نتيجة أوضاع سوق العمل، ولكن ليس بشكل مفرط نظراً لأن تجاوز التضخم للمستوى المستهدف يبقى خطراً مهماً.

ويتوقعون أن يُظهر ملخص التوقعات الاقتصادية لشهر سبتمبر استمرار وجود خفضين في 2025، مع تعديل بيانات التوقعات في اتجاه “أكثر تشدداً بشكل طفيف”.

توقعات بخفض الفيدرالي الأميركي للفائدة مرتين قبل نهاية العام

قال أوسكار مونيوز وجينادي غولدبرغ من “تي دي سيكيوريتيز”: “من غير المرجح أن تُفاجأ السوق بالخفض، لكن التردد المحتمل من جانب باول ومخطط النقاط حيال الالتزام بمزيد من التخفيضات قد يُفسَّر على أنه أقل ميلاً للتيسير”.

وأشاروا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى عكس بعض الزخم الأخير في أسعار الفائدة ومنحنى العائد.

عوائد السندات

قال إيان لينغن من “بي إم أو كابيتال ماركتس” (BMO Capital Markets): “نتوقع خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس، ونتوقع أن تكون نبرة البيان والمؤتمر الصحفي والملخص الاقتصادي تيسيرية بشكل مجمل”.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي يترك الباب مفتوحاً أمام خفض الفائدة في سبتمبر

ومع بدء باول “عملية إعادة ضبط السياسة النقدية”، يتوقع لينغن أن يُخفَّض مخطط النقاط لعام 2025 ليعكس احتمال خفض إضافي بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعي أكتوبر وديسمبر.

مصداقية الفيدرالي

ترى الأسواق المالية أن الفيدرالي سيظل “مستبقاً المسار” عندما يبدأ في خفض تكاليف الاقتراض، وفقاً لمايكل هارتنت من “بنك أوف أميركا”.

وأشار الاستراتيجي هارتنت إلى صعود أسهم البنوك والشركات الأكثر تأثراً بالفائدة، إضافة إلى تراجع فروق السندات ذات الدرجة الاستثمارية، ما يوحي بأن المستثمرين “يقولون إن الفيدرالي يمكنه أن يخفض بمصداقية وهو يخفض في وقت يتسارع فيه نمو الاقتصاد الأميركي”.

ومع ذلك، اجتذبت السيولة معظم التدفقات في الأسبوع الماضي، ليصل الإجمالي في أربعة أسابيع إلى 266 مليار دولار، بحسب بيانات “بنك أوف أميركا” نقلاً عن “EPFR Global”. وسجلت الأسهم الأميركية خروج تدفقات بقيمة 19 مليار دولار.

قال مارك هيفيل من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” (UBS Global Wealth Management): “مع استعداد العوائد النقدية للتراجع مع استئناف خفض الفائدة، نرى حاجة متزايدة لتوظيف السيولة الفائضة في أصول ذات عوائد أعلى”.

مناخ إيجابي للأسهم الأميركية

من جهته، قال مارك هاكيت من “نيشن وايد” (Nationwide) إن الفيدرالي على وشك خفض الفائدة الأسبوع المقبل، ومع بقاء معنويات السوق بعيدة عن التفاؤل المفرط، فإن المسار الأقرب يظل صعود الأسهم على المدى القريب.

وأضاف: “التخفيضات ستضاف إلى قائمة متزايدة من العوامل الداعمة، مثل اتفاق الموازنة المحفز والاتفاقيات التجارية وزيادة الأرباح نتيجة ضعف الدولار”.

ورغم أن المتشائمين يبرزون ضعف سوق العمل، إلا أن بيانات المراكز الاستثمارية ومعنويات السوق ما زالا حذرين، ما يشير إلى وجود مجال لمزيد من الصعود، وفقاً لهاكيت.

مع تسجيل الأسهم الأميركية مستويات قياسية متتالية، أصبحت موجة الطروحات الأولية هذا الأسبوع بمثابة مقياس على مدى نشاط السوق. إذ شهدت جميع العروض طلباً قوياً في مرحلة التسويق الرسمية قبل بدء التداول، مع قيام العديد من الشركات ببيع حصص أكبر من التي تم تحديدها في بادئ الأمر. وأظهرت بيانات “بلومبرغ” أن متوسط أسعار بدء التداول تجاوز سعر الطرح بنسبة 31%.

ورغم البداية القوية لشهر سبتمبر، ما زال تعافي سوق الطروحات الأولية محدوداً مقارنة بما قبل الجائحة. فقد جُمع نحو 29 مليار دولار في البورصات الأميركية حتى 12 سبتمبر 2025، وهو أقل من متوسط 31.4 مليار دولار خلال العقد الذي سبق طفرة 2020، وبعيد جداً عن المستويات الاستثنائية خلال سنوات الجائحة.

شاركها.