رفعت موجة متجددة من الشراء عند الانخفاض أسعار الأسهم الأميركية، بينما واصل المتداولون تقييم نتائج أرباح قوية، وسط رهانات على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة قريباً. وسجلت السندات تحركات محدودة قبل جدول مزدحم من مزادات الدين الأميركي.
دفع انتعاش الشهية للمخاطرة مؤشر “إس آند بي 500” إلى الارتفاع بنسبة 1.5%، في أكبر موجة صعود له منذ مايو. وتقدّمت تقريباً كل المجموعات الرئيسية في المؤشر القياسي للأسهم الأميركية، وأغلقت نحو 85% من شركاته على ارتفاع.
وقادت شركات التكنولوجيا العملاقة، التي كانت قد تحملت العبء الأكبر من عمليات البيع الأخيرة، المكاسب يوم الإثنين. وارتفعت أسهم “إنفيديا” و”ميتا” بنسبة لا تقل عن 3.5%. وأضاف مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة 2.1%.
قال مايكل ويلسون من “مورغان ستانلي” إن المستثمرين يجب أن يستفيدوا من التراجع في الأسهم الأميركية بسبب التوقعات القوية للأرباح خلال العام المقبل. في حين أشار ديفيد كوستين من “غولدمان ساكس” إلى أن المدراء التنفيذيين أبدوا حتى الآن ثقة في قدرتهم على التخفيف من تأثير الرسوم الجمركية على الأرباح.
اقرأ أيضاً: ازدهار الفحم وخوف على النفط.. ماذا تنتظر سوق السلع هذا الأسبوع؟
وبحسب بيانات جمعتها “بلومبرغ إنتليجنس”، فإن أرباح “إس آند بي 500” تتجاوز توقعات الربع الثاني بنسبة 9.1%، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف التقديرات السابقة للموسم، ويعدّ أقوى معدل نمو منذ عام 2021.
الأنظار تتجه إلى تطورات التجارة
قال كريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”: “هذا الأسبوع هادئ من حيث المفكرة الاقتصادية، لذا قد يستمد المتداولون إشاراتهم من نتائج الأرباح، إلى جانب أي تطورات جديدة في الرسوم الجمركية والتجارة”.
كما أشار لاركن إلى أن السؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان المتداولون سيعتبرون أي مؤشرات على ضعف اقتصادي سلبية للسوق، أم دافعاً للاحتياطي الفيدرالي لتخفيض أسعار الفائدة عاجلاً وليس آجلاً.
كانت حركة سوق السندات محدودة نسبياً، مع استعداد الولايات المتحدة لطرح مزادات لديون جديدة بقيمة 125 مليار دولار من سندات لآجال 3 و10 و30 عاماً هذا الأسبوع. ولم يسجل الدولار تغيراً يذكر. وانخفضت أسعار النفط مع تقييم المتداولين لأحدث زيادة في الإمدادات من “أوبك+”، بينما تعهد دونالد ترمب بمعاقبة الهند على شرائها النفط الروسي.
اقرأ أيضاً: عقوبات ترمب “الثانوية”: تهديد لروسيا أم ضغط على الحلفاء؟
قال مارك هاكيت من “نايشنوايد”: “هذا الأسبوع سيكون حاسماً: صراع يتكشف بين موسمية المؤسسات التقليدية، التي توحي بالضعف، والمستثمرين الأفراد الذين قد يرون الانخفاض فرصة للشراء”. وأضاف: “إنها تجربة جيدة لمعرفة من يملك زمام الأمور حقاً”.
وأضاف: “بالنظر إلى المستقبل، فإن التوقعات تشير إلى أن سوق الأسهم الأميركية ستواصل ارتفاعها مع احتمال خفض أسعار الفائدة وتحقيق أرباح قوية للشركات، مما يمهد الطريق لموجة صعود متجددة حتى نهاية العام، وتوقعات جديدة لعام 2026”.
ترقب لمعرفة اتجاه سوق الأسهم
قال خوسيه توريس من “إنترآكتيف بروكرز”: “دفعة البيانات الاقتصادية المرتقبة ستوفر إشارات حول الاتجاه الذي نسير فيه، لكن حتى الآن، سوق الأسهم أدلت بصوتها بوضوح، والمستثمرون متحمسون لزخم الأرباح في المستقبل”. وأضاف: “الزمن كفيل بكشف الأمور”.
في غضون ذلك، قال جيفري ييل روبن من “بيريني أسوشيتس” إن الشركات الأميركية لا تزال من أكبر مشتري الأسهم الأميركية، ما يعكس ثقتها في أعمالها رغم العناوين المثيرة للقلق بشأن الرسوم.
بلغت عمليات إعادة شراء الأسهم المعلنة في يوليو رقماً قياسياً عند 165.63 مليار دولار، وفقاً لبيانات جمعتها “بيريني”. وبلغ إجمالي عمليات إعادة الشراء المعلنة منذ بداية العام 926.1 مليار دولار، بحسب البيانات.
تساؤلات بشأن مدة هذا التعافي
قالت جينا مارتن آدامز ووندي سونغ من “بلومبرغ إنتليجنس” إن السؤال مع اقتراب الأسهم من مستويات قياسية هو ما إذا كان هذا التعافي لا يزال مستداماً.
وأضافتا: “ثقة الإدارة في أعلى مستوياتها منذ ثمانية أعوام، لكن التوجيهات تعكس نبرة أكثر حذراً مع تزايد المخاوف بشأن الرسوم وتكاليف التشغيل”. وتابعتا: “السوق تعكس هذا التوتر: الشركات الكبرى والصغيرة التي تخفق تُعاقب بشدة، أما من تتفوق، فتُكافأ بشكل محدود”.
بعد موجة خروج واسعة من الأصول عالية المخاطر في نهاية الأسبوع الماضي، ارتفعت الأسهم أيضاً وسط رهانات على أن الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة هذا العام.
يرى المستثمرون احتمالية بنسبة 85% تقريباً بأن يخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة في سبتمبر، بناءً على مقايضات مرتبطة بمواعيد اجتماعات السياسة النقدية. ورغم أن هذه النسبة انخفضت عن ذروتها البالغة 90% يوم الجمعة، فإنها كانت نحو 40% فقط قبل نشر بيانات التوظيف الضعيفة.
الرسوم والبيانات الاقتصادية تعيدان تشكيل توقعات السوق
قال ديفيد ليفكوفيتز من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”: “إذا بدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في اجتماع سبتمبر، فنحن نعتقد أن ذلك سيكون داعماً للأسواق”.
وأضاف: “بالاقتران مع رؤيتنا الإيجابية تجاه الأرباح، نتوقع المزيد من الصعود للأسهم الأميركية خلال الأشهر الـ12 المقبلة”.
يرى مانيش كابرا وشارل دو بواسزون من “سوسيتيه جنرال” أن الأسهم الأميركية ستمدد صعودها حتى العام المقبل، مدفوعة بخفض وشيك في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي.
وكتبا في مذكرة: “خفض الفيدرالي سيعيد تشكيل المؤشر”، وأضافا أن التخفيض التدريجي سيكون إيجابياً، بينما قد يدفع التخفيض العنيف الأسواق نحو فقاعة تقييمات.
وفي حين لا تشير بيانات الوظائف ليوم الجمعة إلى دخول الاقتصاد في ركود، فإنها تُظهر أن الشركات تجمّد التوظيف وتُقدم على تسريحات، حتى تتوافر رؤية أوضح بشأن السياسات وثقة الأعمال، بحسب روبرت روجيريللو من “بريف إيغل ويلث مانجمنت”.
وقال: “تباطؤ سوق العمل يجعل من السهل على الفيدرالي خفض أسعار الفائدة مقارنة بالأسبوع الماضي، ويتماشى مع بعض تحذيرات جيروم باول من أن الرسوم قد تبطئ الاقتصاد وتخلق حالة من عدم اليقين أمام خطط التوظيف لدى الشركات الصغيرة”.
تناقض بين شراء المستثمرين وبيع المديرين التنفيذيين
بينما كان المستثمرون عبر وول ستريت يتدافعون لشراء الأسهم الأميركية في يوليو، مما دفع مؤشر “إس آند بي 500” إلى تسجيل 10 مستويات قياسية خلال الشهر، المديرون التنفيذيون شكلوا فئة لافتة تسلك الاتجاه المعاكس.
اشترى المطلعون الداخليّون في 151 فقط من شركات “إس آند بي 500” أسهُم شركاتهم خلال الشهر الماضي، وهو أدنى عدد منذ 2018 على الأقل، وفقاً لبيانات جمعتها “واشنطن سيرفيس”. وبينما تباطأ بيع هؤلاء التنفيذيين للأسهم في يوليو مقارنة بشهر يونيو، فإن وتيرة الشراء انخفضت أكثر، ما دفع نسبة الشراء إلى البيع نحو أدنى مستوى لها في عام.
قالت سيما شاه من “برينسيبال أسيت مانجمنت”: “على المدى القريب، قد يضطر الشعور الإيجابي تجاه المخاطر إلى مواجهة توقعات اقتصادية تشير إلى تباطؤ في النمو، وتضخم مرتفع، واستمرار في عدم اليقين السياسي”. وأضافت: “حتى الآن، تمكنت الشركات من تجاوز ضوضاء الرسوم الجمركية من دون ضغط ظاهر، لكن من المرجح أن تزداد الضغوط”.
تصعيد أميركي مع الهند
في ما يتعلق بالرسوم، قال الرئيس دونالد ترمب إنه سيقوم بـ”رفع كبير” في التعرفة الجمركية على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة، بسبب مشتريات نيودلهي من النفط الروسي، وهي خطوة وصفتها الهند بأنها غير مبررة وسط تصاعد الخلاف بين القوتين الاقتصاديتين.
في الوقت نفسه، تتوقع المفوضية الأوروبية أن يُعلن ترمب هذا الأسبوع عن مراسيم تنفيذية لتثبيت خفض الرسوم الجمركية على السيارات الأوروبية، ومنح إعفاءات لبعض السلع الصناعية مثل قطع غيار الطيران، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
قالت أولريكه هوفمان-بورشاردتي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت”: “السيناريو الأساسي لدينا لا يزال يفترض أن الرسوم الأميركية ستستقر في نهاية المطاف عند 15%. ورغم أن هذا سيكون أعلى مستوى منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ويعادل ستة أضعاف ما كان عليه عند عودة ترمب إلى الحكم، فإننا لا نتوقع أن يؤدي إلى ركود أو إنهاء السوق الصاعدة للأسهم”.
وأضافت: “لكن على المدى القريب، فإن الطبيعة الشفهية للاتفاقات التجارية التي تم التوصل إليها حتى الآن تعني أن التوترات قد تعود إلى الواجهة مع بدء التفاوض على التفاصيل”.