دفعت موجة تفاؤل في “وول ستريت” الأسهم الأميركية إلى الارتفاع، بدعم من نتائج قوية لشركات كبرى، ومؤشرات على انحسار التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، فيما تراجعت عوائد السندات الأميركية.
مع دخول موسم الأرباح ربع السنوي ذروته، تجاوزت نحو 85% من الشركات المدرجة في مؤشر “إس آند بي 500” توقعات الأرباح حتى الآن، ما ساهم في تعزيز موجة الارتداد في الأسهم، وسجل المؤشر أفضل مكاسب على مدى يومين منذ يونيو. كما تحسّنت المعنويات بفضل التوقعات بأن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستتراجع حدتها مع عودة البلدين إلى طاولة المفاوضات.
أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مجدداً تهديده بزيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية “إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق” بحلول الأول من نوفمبر، لكنه شدد على خططه للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل.
وكانت الأسواق قد شهدت اضطراباً في وقت سابق من الشهر عندما أثار ترمب احتمال فرض رسوم مرتفعة للغاية، مشيراً إلى ما وصفه بـ”القيود العدائية” التي تفرضها الصين على صادراتها.
وقال ريك غاردنر من شركة “آر جي إيه إنفستمنتس” (RGA Investments): “نشهد تقلبات موسمية اعتيادية في أكتوبر، لكنها ضحلة نسبياً مقارنة بالمعايير التاريخية، إذ يبدو أن عقلية الشراء عند الانخفاض لا تزال مهيمنة”.
وأضاف أن بيانات التضخم المرتقبة يوم الجمعة قد تكتسب أهمية إضافية في ظل توقف صدور البيانات الحكومية بسبب الإغلاق، متوقعاً خفضاً للفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي في أكتوبر، ومشيراً إلى أن أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى ستكون اختباراً رئيسياً لمعرفة مدى تحوّل الإنفاق على الذكاء الاصطناعي إلى أرباح فعلية.
مكاسب لأسهم التكنولوجيا وتراجع للعوائد
قالت كالي كوكس من “ريثولتز ويلث مانجمنت” (Ritholtz Wealth Management): “من الجيد وجود موسم الأرباح، فالمحللون محرومون من البيانات منذ أسابيع، وعندما يقل توفر البيانات تزداد ردود الفعل المبالغ فيها تجاه الأخبار. تدفق الإشارات الأساسية بثبات هو عامل استقرار للأسواق لا يُقدَّر بما يكفي”.
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.1%. وسجلت شركة “أبل” أول مستوى قياسي لها في 2025 بعد أن رفعت “لوب كابيتال” (Loop Capital) توصيتها للسهم إلى “شراء”، في أحدث إشارة إلى تحسن الطلب على أجهزة “أيفون”. كما صعد مؤشر شركات التكنولوجيا الكبرى بنسبة 1.6%، وزاد مؤشر “راسل 2000” للشركات الصغيرة 1.9%.
تراجع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بمقدار ثلاث نقاط أساس إلى 3.98%. وقفز الذهب، في حين ارتفعت العقود الآجلة لفول الصويا مع تفاؤل المزارعين بأن ترمب سيبرم اتفاقاً مع الصين لإعادة تصدير المنتجات الأميركية المتوقفة.
تفاؤل بتحرك صعودي للأسهم
قال مارك هاكيت من شركة “نايشونوايد” (Nationwide) إن الصورة العامة تبقى إيجابية لأسواق الأسهم رغم فترات التقلب، موضحاً أنه يرى أن أي ضعف مؤقت يُقابل بعمليات شراء قوية، مشيراً إلى أن المستثمرين الأفراد لا يزالون يواصلون الشراء رغم حذر المؤسسات. وأضاف: “يبدو لي أن السوق تستعد لحركة اختراق صعودية، ومن وجهة نظري، من الأسهل تصور صعودها مع اقتراب نهاية العام، وبداية 2026”.
وأشار إلى أن التوترات التجارية تواصل تحريك مشاعر المستثمرين والتقلبات، لكن التراجعات تبقى قصيرة الأجل لأن المستثمرين الأفراد يعتبرونها فرصاً لإضافة المخاطر، رغم تراجع مؤشرات الثقة الاستثمارية وفق أحدث الاستطلاعات.
أفاد محللون في “دويتشه بنك” بأن مراكز الأسهم الإجمالية تراجعت الأسبوع الماضي، وأن المعنويات تحولت إلى سلبية، فيما قال مايكل ويلسون من “مورغان ستانلي” إنه ينبغي تحقيق تقدم فعلي في اتفاق التجارة بين أميركا والصين، واستقرار في مراجعات الأرباح، لتفادي تصحيح جديد في السوق.
وقال جيسون دراهو من “يو بي إس لإدارة الثروات العالمية” إن “مزيج تحسن آفاق النمو والأرباح، والسياسات الداعمة، والمستثمرين الذين يتهافتون على الشراء عند التراجعات، يبرر نظرة أكثر إيجابية على المدى المتوسط”.
نتائج الشركات الصغيرة تتصدر المشهد
تُعد شركة “تسلا” بين أبرز الشركات التي ستعلن نتائجها هذا الأسبوع، إيذاناً بانطلاق موسم أرباح شركات التكنولوجيا العملاقة. ومن المرجح أن تتطرق شركتا “إنتل” و”تكساس إنسترومنتس” إلى تشديد الصين قبضتها على صادرات المعادن النادرة خلال إعلاناهما النتائج.
وقال جون ستولتزفوس من “أوبنهايمر أسيت مانجمنت” إن نتائج الشركات الأميركية الكبرى تبدو واعدة، مضيفاً أن تجاوزها للتوقعات رغم المخاطر المستمرة يشير إلى “قدر كافٍ من الصلابة يمنح الأسهم تذكرة صعود”.
ورأى محللو “جي بي مورغان” بقيادة ميسلاف ماتيكا أن زخم النشاط الاقتصادي تحسّن خلال الربع الأخير، وأن المفاجآت الإيجابية مرجحة في موسم الأرباح الحالي. وقال لويس نافلييه من “نافلييه آند أسوشيتس” إن “الزخم لا يزال إيجابياً وأصبح مدفوعاً بالأرباح، وهو ما قد يدفع السوق إلى الصعود حتى نهاية العام ما لم تحدث صدمات كبرى غير متوقعة”.
استمرار الحساسية تجاه السياسات
قال دوغ بيث من “ويلز فاغو إنفستمنت إنستيتيوت” إن “التقلبات الأخيرة في الأسهم رغم انطلاقة قوية لموسم الأرباح تعكس استمرار حساسية المستثمرين تجاه مفاجآت السياسات والعناوين الإخبارية واحتمالات خيبة الأمل في النتائج”. وأضاف: “نتوقع أن تحدث بعض المفاجآت والتراجعات، لكن يجب على المستثمرين تجاوز ضجيج العناوين والتركيز على الاتجاهات الإيجابية القائمة”.
وقال جيسون برايد ومايكل رينولدز من “غلينميد” إن “السمة الرئيسية لموسم أرباح الربع الثالث ستكون استمرار متانة الأرباح”، مشيرين إلى أن “مؤشر إس آند بي 500 يتجه نحو تحقيق نمو في الأرباح بنسبة مرتفعة أحادية الرقم على أساس سنوي”.
وأضافا أن الشركات الصغيرة تبدو أخيراً في طريقها إلى الأضواء، إذ من المتوقع أن ترتفع أرباح مؤشر “راسل 2000” بأكثر من 35% في الربع الثالث، بفضل التحفيز المالي الجديد ودورة التيسير النقدي للاحتياطي الفيدرالي.
تفاؤل مشروط بنمو الشركات الصغيرة واستقرار الاقتصاد
قال مايكل كاسبر وناثانيال فيلنهوفر من “بلومبرغ إنتليجنس” إن الشركات الصغيرة مطالبة الآن بإثبات قدرتها على تحقيق النمو بما يتناسب مع تقييماتها المرتفعة، وأكدا أن نتائج الربع الثالث ستكون حاسمة، “فالمتطلبات أعلى من الربع السابق، لكن من المتوقع أن تضيق الفجوة مع الشركات الكبرى بحلول منتصف 2026، وهو شرط أساسي لاستمرار أداء المؤشر المتفوق”.
ورأى جيف شين وفيليب هودجز من “بلاك روك سيستيماتيك” أن الارتفاع في الأسهم منذ تراجع أبريل مكافأة للمستثمرين الذين تجاوزوا موجات الغموض والرسوم الجمركية، مؤكدين أن الاقتصاد أظهر صلابة كافية لدعم سيناريو ذهبي يجمع بين تباطؤ كافٍ لتخفيض الفائدة وعدم الدخول في ركود.
وأشارا إلى أن التيسير في السياسات النقدية وثورة الذكاء الاصطناعي دفعا الأسواق إلى مستويات قياسية جديدة، لكن الارتفاع الظاهري يخفي وراءه تقلبات داخلية كبيرة، إذ انخفض متوسط الأسهم الفردية في المؤشر بنسبة تصل إلى 15%، رغم أن المؤشر ككل لم يتراجع بأكثر من 5% منذ أدنى مستوياته في 8 أبريل. وقالا إن ذلك “يعكس دوراناً مستمراً داخل السوق ويؤكد أهمية الإدارة النشطة المرنة”.
ترقب بيانات التضخم وموقف الفيدرالي
بعد تأجيلها بسبب الإغلاق الحكومي الأميركي، من المقرر أن تصدر وزارة العمل بيانات مؤشر أسعار المستهلكين لشهر سبتمبر يوم الجمعة، بعدما كان مقرراً نشرها في 15 أكتوبر. وستوفر هذه البيانات لمجلس الاحتياطي الفيدرالي عنصراً حاسماً لتقييم التضخم قبل اجتماعه الأسبوع المقبل.
ويتوقع خبراء استطلعت “بلومبرغ” آراءهم أن يسجل مؤشر الأسعار الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، ارتفاعاً بنسبة 0.3% للشهر الثالث على التوالي، مما يبقي المعدل السنوي عند 3.1%.
وقال أوسكار مونيوز من “تي دي سيكيوريتيز” إن “مؤشر الأسعار الأساسي لشهر سبتمبر ربما شهد تباطؤاً طفيفاً نتيجة تراجع أسعار الخدمات التي عوّضت جزئياً انتقال الرسوم الجمركية الإضافية إلى أسعار السلع، فيما رفعت أسعار الطاقة المؤشر العام”.
وأضاف مونيوز أنه لا يزال يتوقع خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الأسبوع المقبل، نظراً لتزايد مخاطر سوق العمل وحاجة السياسة النقدية إلى إعادة معايرة إضافية.
وقال كريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي” إن المتعاملين سيركزون مؤقتاً على نتائج الأرباح، خاصة بعد أن تسببت أنباء خسائر القروض المصرفية الأسبوع الماضي في تقلبات بالقطاع المالي.
وأضاف: “التداولات المتقلبة أصبحت السمة السائدة مؤخراً، لكن تجاوز التوقعات من الشركات الكبرى وتراجع التوترات الأميركية الصينية قد يساعد السوق على استعادة توازنها”.